گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد چهارم
إستصحابُ العدم الأزلی … ص: 284
. تمهید … ص: 284








اشارة
المخ ّ صص المنفصل تارةً: یکون مجملًا مفهوماً کما لو قال أکرم العلماء، ثم قام الدلیل علی حرمۀ إکرام الفسّاق منهم، وشکّ فی
حکم فردٍ من العلماء مرتکب للمعصیۀ ال ّ ص غیرة، من جهۀ تردّد مفهوم الفسق بین ارتکاب خصوص الکبیرة والأعمّ منها وال ّ ص غیرة،
صفحۀ 174 من 265
وتسمی بالشبهۀ المفهومیۀ. واخري: یکون مبیّناً من حیث المفهوم، فیقع الشکُ فی حکم الفرد من جهۀ امور خارجیّۀ، کما لو جهلنا
کونه مرتکباً للفسق حتّی یندرج تحت المخصّص أو غیر مرتکب له فیشمله العام، وتسمّی بالشبهۀ المصداقیۀ.
أمّا فی الاولی، فالمشهور هو التمسّک بالعام.
وأمّا فی الثانیۀ، فقد ذهب السید صاحب (العروة) إلی التمسّک بالعام، خلافاً للمشهور القائلین بالرجوع إلی الأصل، فإنْ کانت الحالۀ
السابقۀ للفرد هو الفسق أو عدمه، جري الأصل وخرج عن الشبهۀ، أمّا لو جهلنا حالته السابقۀ أو کان مورداً لتوارد حالتی الفسق
والعدالۀ وجهل المتقدّم والمتأخّر منهما، فلا أصل ینقّح حاله، ویسقط التمسّک بالعام وبالدلیل المخ ّ صص أیضاً، فإنْ قلنا بجریان
الإستصحاب الحکمی حینئذٍ فهو، وإلّا وصلت النوبۀ إلی البراءة أو الإشتغال.
وهذا کلّه قد تقدّم، وحاصله تنقیح حال الموضوع باستصحاب عدم الفسق ویعبّر عن ذلک باستصحاب العدم النعتی.
ص: 285
ویقابله استصحاب العدم الأزلی بأنْ نقول: هذا الفرد من العلماء لم یکن فی الوجود، فهل بعدما وُجد وُجد فیه الفسق أو لا؟ فهل
یمکن الخروج عن هذا الشکّ باستصحاب عدم الفسق أزلًا أو لا؟
وهذا فی الأوصاف العارضۀ.
ومن الأوصاف ما هو ذاتی لا یزایل الموصوف منذ وجوده، کقرشیّۀ المرأة، وهو المثال المعروف فی المسألۀ، فإن المرأة تحیض إلی
الخمسین إلّاالقرشیۀ فإنّها تري الحیض إلی الستین، فلو شککنا فی امرأةٍ هل هی قرشیّۀ فدمها بعد الخمسین حیض أو غیر قرشیّۀ
فاستحاضۀ؟ فهل یمکن التمسّک بالأصل الموضوعی بنحو العدم الأزلی أو لا؟
والبحث فی هذه المسألۀ فی مقامین:
. المقام الأوّل (فی الإقتضاء …) ص: 285
اشارة
وللبحث فیه جهتان: جهۀ الثبوت وأنه هل- من الجهۀ العقلیّۀ أو العرفیۀ- لهذا الأصل اقتضاء؟ وجهۀ الإثبات وأنه بناء علی تمامیۀ
المقتضی عقلًا وعرفاً، هل للأدلّۀ اقتضاء فی مقام الإثبات أو لا؟
المیرزا، منکر للإقتضاء العقلی.
وجماعۀ، ینکرون الإقتضاء العرفی.
والبروجردي، لا یمنع من الإقتضاء الثبوتی بل یري الأدلّۀ قاصرةً إثباتاً.
الأقوال فی المسألۀ … ص: 285
وقد اختلفت أنظار الأعلام فی جریان استصحاب العدم الأزلی، بین قائل به مطلقاً، وقائل بعدمه مطلقاً، ومفصّل بین عوارض الوجود
فالجریان وعوارض الماهیّۀ فالعدم.
ص: 286
کلام الکفایۀ فی تقریب الجریان … ص: 286
صفحۀ 175 من 265
قال صاحب (الکفایۀ): لا یخفی أن الباقی تحت العام بعد تخصیصه بالمنفصل أو کالإستثناء من المتّصل، لمّا کان غیر معنونٍ بعنوان
خاص بل بکلّ عنوان لم یکن ذلک بعنوان الخاص، کان إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعی فی غالب الموارد- إلّاما شذّ- ممکناً،
فبذلک یحکم علیه بحکم العام وإنْ لم یجز التمسّک به بلا کلام. ضرورة أنه قلّما لم یوجد عنوان یجري فیه أصل ینقّح به أنه ممّا
.«1 …» بقی تحته. مثلًا: إذا شک فی امرأة
فالمحقق الخراسانی من القائلین بجریان استصحاب العدم الأزلی وتوضیح کلامه هو:
الفاسق والعادل « العالم » إنّ العام إذا أصبح موضوعاً للحکم، فهو موضوع له بجمیع العناوین والانقسامات، فإذا قال: أکرم العلماء، شمل
یشملها کلّها وهی مندرجۀ « العالم » وغیر الفاسق وغیر العادل … وکلّ واحدٍ من هذه العناوین موضوع للحکم بوجوب الإکرام، لأن
وشبهه، لم یؤثّر إلّاالإخراج فقط، أمّا إنْ « الّا » تحته، ثم لمّا جاء المخ ّ صص، فإنْ کان منفصلًا أو کان متّصلًا لکنه من قبیل الاستثناء ب
کما لو قال: أکرم العلماء العدول، فإنّه یفید الإخراج من تحت العام وتعنون العام وتقیّده بغیر « إلّاوشبهه » کان متّصلًا ولم یکن من قبیل
الفسّاق.
قال: إلّاما شذ.
یعنی: مورد توارد الحالتین من الفسق والعدالۀ.
إذن، فهو یري جریان استصحاب العدم الأزلی إلّافی مورد توارد الحالتین.
ثم طبّق هذه الکبري علی المرأة القرشیّۀ، لأن الدلیل أفاد أنّ المرأة تري
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 223 )
ص: 287
موضوعٌ یندرج تحته جمیع أصناف المرأة وانقساماتها، ومنها المرأة التی لیس بینها وبین قریش « المرأة » الحمرة إلی خمسین سنۀ … و
انتسابٌ. لکنْ قد ورد فی خصوص القرشیۀ أنها تري الحمرة إلی الستّین، فأخرج هذا القسم من تحت الدّلیل السابق من غیر أن یتقیّد
الموضوع- أيالمرأة- بقیدٍ، لکون هذا المخصّص من قبیل الإستثناء، فإذا شکّ فی امرأةٍ معیّنۀٍ بنحو الشبهۀ المصداقیّۀ: هل لمّا وجدت
وجد معها الانتساب إلی قریشٍ أو لا؟ جري استصحاب العدم وحکم بعدم وجود تلک النسبۀ، فیکون الدم الذي تراه بعد الخمسین
محکوماً بالإستحاضۀ لا الحیض…
فظهر أنّ استصحاب العدم الأزلی جارٍ بناءً علی الخصوصیّات المذکورة، سواء فی الأوصاف الذاتیۀ کالقرشیّۀ والعرضیّۀ کالفسق، إلّافی
مورد توارد الحالتین من الفسق والعدالۀ حیث تنتقض الحالۀ السابقۀ فلا یجري الإستصحاب.
هذا بیان مطلب (الکفایۀ).
. الإشکالات … ص: 287
لکنْ هنا إشکالات:
الأول: إنه لا مقتضی لجریان هذا الأصل، لما تقرّر من أنّ مجراه الحکم الشرعی أو الموضوع له، وعلیه، فإن الموضوع فی لسان الدلیل
وهو الذي جاء الحکم بوجوب الإکرام علیه، وأمّا أقسامه وأوصافه الطارئۀ علیه، فلم یؤخذ منها شیء فی لسان الدلیل « العالم » هو
،« المرأة » بل الموضوع ،« المرأة التی لا تنتسب إلی قریش » هو الموضوع، أو « العالم الذي لم یتّصف بالفسق » موضوعاً للحکم، فلیس
وهو محرز بالوجدان ولا شکّ فیه لیجري فیه الإستصحاب.
الثانی: إنه إذا ورد المخصّص، أثّر فی الظهور والدلالۀ الإستعمالیّۀ، ویکون
صفحۀ 176 من 265
ص: 288
الموضوع فی الدلیل مقیّداً بالمخ ّ صص، وأثّر أیضاً بحسب الحجیّۀ فی الإرادة الجدیّۀ- إن کان منفصلًا- کما هو واضح … وعلیه، فإنّ
الظهور ینقلب ویکون الموضوع مقیّداً ومعنوناً بالخاص، فیترکّب الموضوع أو یتقیّد- علی الخلاف، کما سیأتی- ولا یبقی مجرّداً عن
هو الموضوع. ولا أصل ینقّح حاله. « المرأة غیر المنتسبۀ إلی قریش » و « العالم غیر التصف بالفسق » القید، بل یکون
وعلی الجملۀ، فإنّ بیان (الکفایۀ) إنما یتمّ بناءً علی عدم تلوّن العام بعنوان الخاص بعد التخصیص، وهو خلاف التحقیق.
:« لما کان غیر معنونٍ بعنوان خاص » :( وقال الإیروانی معلّقاً علی قول (الکفایۀ
یعنی: العنوان الخاصّ الوجودي المقابل لعنوان المخ ّ صص. وأمّا العنوان العدمی- وهو عدم عنوان المخصص- فالباقی تحت العام
فإن قوله لم یکن ذلک بعنوان الخاص هو » ، معنون به ألبتۀ، وقد صرّح به المصنف بقوله: بل بکلّ عنوان لم یکن ذلک بعنوان الخاص
مسامحۀ، لأنه یوهم دخل تمام العناوین الوجودیۀ التی لیست بعنوان الخاص لکن « بل بکلّ عنوان » : بعینه عنوان للعام، لکن تعبیره بقوله
علی سبیل البدل، وهو باطل قطعاً وخلاف المقصود جزماً … فما فرّعه المصنف علی ما أصّ له من جریان الأصل الموضوعی … لیس
علی ما ینبغی، فإنّ مجرد عدم تحقّق الانتساب الذي هو السلب الناقص لا أثر له بعد أنْ صار عنوان العام بعد خروج الخاص المرأة
.«1 …» التی لیست امرأةً من قریش، إذ لیست لهذا السلب الناقص فی المرأة المشکوکۀ قرشیّتها حالۀ سابقۀ متیقّنۀ
وحاصل کلامه: إن مراد (الکفایۀ) تعنون العام وتقیّده بالعدم بعد إخراج
__________________________________________________
.284 / 1) نهایۀ النهایۀ 1 )
ص: 289
العنوان الوجودي، فالمرأة متّصفۀ بعدم القرشیّۀ بنحو لیس الناقصۀ، وهذه لا حالۀ سابقۀ لها حتی تستصحب، بل الموجود فی الأزل هو
المرأة غیر المنتسبۀ إلی قریش بنحو لیس التامۀ، واستصحاب عدمها بنحو لیس التامۀ لإثبات عدمها بنحو لیس الناقصۀ لا یتم إلّاعلی
الأصل المثبت.
لکنّ الأُستاذ استظهر من کلام (الکفایۀ) غیر هذا، لأنه نفی تعنون العام بعد التخصیص، بل جعل المخ ّ صص مخرجاً فقط، ثمّ أکّد
فقط … فقول الإیروانی بأنّ العنوان العدمی مفاد لیس الناقصۀ والأصل « المرأة » ذلک بقوله: بل بکلّ عنوان … فأفاد أنّ الموضوع هو
مثبت، إنما یتمُّ لو کان صاحب (الکفایۀ) یري اتّصاف العام- بعد تخصیصه بعنوان وجودي- بعنوانٍ عدمی، وهذا ما ینفیه کلامه.
الثالث: إنه لو سلّم جریان أصل العدم الأزلی والقول بعدم الاتّصاف فی الزمان اللّاحق، فإنّه لا یرفع حکم الخاصّ عن الفرد، لأنا إذا
استصحبنا عدم فسقه أزلًا اندرج تحت العام، ولکنْ ما المخرج له من تحت الخاص مع احتمال کونه فاسقاً وقد قال: لا تکرم الفسّاق؟
ونفی حکم الخاص عنه بالأصل لا یتم إلّا بالأصل المثبت کما لا یخفی.
بما حاصله: لقد دلّ العام علی وجوب إکرام العالم، وهو یدلّ بالالتزام علی أنّ شیئاً من العناوین لا «1» وقد أجاب المحقق الإصفهانی
العالم المجعول موضوعاً لوجوب الإکرام، فهو واجب الإکرام سواء کان عدلًا أو لا، غیر متصف بالسفاهۀ أو لا… « عنوان » ینافی
وهکذا … وإذا کان لا ینافی وجوب الإکرام فهو منافٍ لحرمته، فکان الفرد خارجاً من تحت الخاص بالدلالۀ الإلتزامیۀ لدلیل العام،
الدالّ
__________________________________________________
.461 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 290
بالمطابقۀ علی وجوب إکرام ما أُخذ فیه موضوعاً وهو العالم.
صفحۀ 177 من 265
قال الُأستاذ …: ص: 290
وهذا جواب دقیق عن الشبهۀ بل هو خیر جوابٍ عنها. إلّاأنّه إنما یتمُّ بناءً علی مختاره من عدم تلوّن العام علی أثر التخصیص، وأمّا بناءً
علی ما هو مقتضی البرهان من تقیّد الموضوع أو ترکّبه بعد التخصیص فلا یتم، لکون الجزء مشکوکاً فیه، فالإشکال باق.
لأنّ دلیل الخاص قد دلّ بالمطابقۀ علی حرمۀ إکرام الفاسق، وبالالتزام علی ،«1» الرابع: إشکال المعارضۀ، ذکره المحقق المشکینی
حرمۀ إکرام غیر المتّصف بالعدالۀ، وبذلک یخرج من لم یتّصف بالعدالۀ من تحت العام، فلو استصحبنا عدم اتصافه بالفسق أزلًا حتی
یندرج تحته، عارضه استصحاب عدم اتّصافه بالعدالۀ المقتضی لخروجه عنه، وتساقطا.
أجاب الُأستاذ …: ص: 290
إنّ الأصل فی الإشکال هو استلزام الفسق لعدم الإتصاف بالعدالۀ، وأنَّ من لیس متّصفاً بها یحرم إکرامه، فإنْ قلنا ببقاء المدلول
الإلتزامی بعد سقوط المطابقی، کان الإشکال وارداً، وأمّا علی القول بتبعیّته له فی الثبوت والسقوط، فإنّ عدم الإتصاف بالعدل الذي
یلازم الفسق مخرج من تحت العام، ومفروض الکلام أن جریان الأصل یفید عدم العدالۀ، أمّا بالنسبۀ إلی الفسق فلا أصل ولا وجدان،
فأین المعارضۀ؟
لکنْ لا یخفی أنّ الجواب مبنائی کالجواب عن الإشکال السابق.
__________________________________________________
(1)
.347 / کفایۀ الاصول بحاشیۀ المشکینی 1
ص: 291
. تقریر استصحاب العدم الأزلی ببیان آخر … ص: 291
اشارة
إذن، لابدّ من سلوك طریقٍ آخر لتقریر استصحاب العدم الأزلی وهو یتمُّ بذکر امور:
الأمر الأول … ص: 291
من الواضح أنّ کلّ حادث- سواء کان حکماً أو موضوعاً لحکم- مسبوق بالعدم، غیر أنَّ للحکم عدمین، عدم قبل الشرع وعدم بعده،
فحرمۀ شرب الخمر حکم مجعول من قبل الشارع وله وجودان أحدهما قبل وجود الخمر، والآخر بعد وجوده، وکلاهما مسبوق بالعدم،
ومن هنا یمکن للخروج عن عهدة التکلیف التمسّک بالبراءة والتمسّک باستصحاب عدم الحکم أیضاً. أمّا الموضوع فلیس له إلّا عدم
واحد.
ولا کلام فی جریان استصحاب العدم الأزلی فی الحکم.
ومورد البحث فی جریانه فی الموضوع.
صفحۀ 178 من 265
والموضوع:
تارةً: هو عنوان ذاتی، وهو عبارة عن العنوان المنتزع من الصّورة الجوهریّۀ، کعنوان الکلبیّۀ المنتزع من نوع الکلب، وکعنوان الزیدیّۀ
المنتزع من الشخص.
وتارةً: هو عنوان مفارق غیر ذاتی. وهذا علی قسمین:
(الأول) العنوان المفارق للذات الملازم لها، مثل قرشیۀ المرأة، فإنّها عنوان غیر منتزع من ذات المرأة، بل ینتزع من الخارج إلّاأنه ملازم
للذات ولا ینفکُّ عنها.
(والثانی) العنوان المفارق للذات غیر الملازم لها، وهو العنوان العرضی
ص: 292
کالفسق مثلًا، فقد تکون الحالۀ السابقۀ معلومۀ من حیث الفسق والعدالۀ واخري مجهولۀ.
ثم إن العنوان المفارق الملازم للذات، تارةً: یکون من لوازم وجودها، واخري: من لوازم الماهیۀ. وهذا مورد تفصیل المحقق العراقی
والحکیم تبعاً له فی المستمسک، کما سیأتی.
هذا، وللبحث عن جریان استصحاب العدم الأزلی فی العناوین الذاتیۀ موارد وله آثار مهمّۀ…
والمقصود من هذه المقدّمۀ، جریان البحث فی جمیع الأقسام المذکورة للموضوع، وإنّما یخرج من البحث صورة توارد الحالتین
لانقطاع الحالۀ السابقۀ.
الأمر الثانی … ص: 292
إنّ لأهل الفنّ، کالشیخ والمیرزا والإصفهانی وغیرهم، مصطلحات لها دخل فی البحث فی المقام، فیلزم فهمها فنقول:
لقد قسّموا الوجود إلی قسمین هما: الوجود فی نفسه، والمراد منه الوجود المضاف إلی ماهیّۀٍ، سواء کانت جوهراً أو عرضاً، کوجود
الإنسان، والعلم.
والوجود لا فی نفسه، والمراد منه الوجود غیر المضاف إلی ماهیّۀٍ بل یوجد فی وجودٍ آخر، لا بمعنی کونه من شئونه وأوصافه بل إنه
مضمحلٌّ فیه، کقولنا بوجود الربط بین الموضوع والمحمول، فلمّا نقول: زید قائم، فإنّ هناك وجوداً یکون رابطاً بین زید وقائم وهو
وجود غیر وجودهما، یدلّ علی وجوده الارتباط الموجود بینهما، وهو غیر الارتباط الموجود فی عمرو قائم وزید جالس، ولذا نقول
بأنّ المعنی الحرفی جزئی حقیقی.
فالوجود الرابط وجود لا فی نفسه بل بین الموضوع والمحمول، بخلاف
ص: 293
بیاض الجدار، فإنّه وجود فی نفسه غیر أنه قائم بالجدار.
فظهر: إن الوجود الرابط یکون بین الوصف والموصوف فقط، وهذا مفاد کان الناقصۀ، أيمفاد ثبوت الأوصاف والأعراض
للموضوعات، کقولنا: کان زید قائماً، فی مقابل مفاد کان التامۀ، أيثبوت الوجود للماهیۀ مثل: کان زید.
ثم إنّ الهلیّۀ البسیطۀ مثل: هل زید موجود؟ مفاد کان التامۀ، وفی مقابلها الهلیّۀ المرکبۀ مثل: هل زید عالم؟ مفاد کان الناقصۀ.
ومن هنا علم: أن الوجود الرّابط لا یکون فی مفاد کان التامۀ والهلیّۀ البسیطۀ، فلا یقال: زید هست است، بل یقال: هست. لأنه یستحیل
الربط بین الشیء ونفسه … هذا أوّلًا. وثانیاً: تارةً نقول: ثبوت البیاض. واخري نقول: ثبوت البیاض للجدار. وإذا کان الوجود عین
الثبوت فلا معنی لأنْ یثبت لشیء.
صفحۀ 179 من 265
وأمّا فی مثل: لیس زیدٌ، وزید معدوم وأمثالهما، فلا وجود رابط، لأنّه- کما تقدم- ربط بین شیئین، والعدم لیس شیئاً حیت یربط
بشیء. هذا أولًا. وثانیاً:
الوجود الرابط ثبوت شیء لشیء، والعدم لا ثبوت له.
وأیضاً: لیس الوجود الرابط فی مفاد لیس الناقصۀ مثل: لیس زید بعالمٍ، لأنه سلب الشیء عن الشیء، فلا یکون فی القضایا السالبۀ ربط
السلب ولا ربط هو سلب، بل مفادها سلب الربط، فلا معنی لمجیء الوجود الرابط. وأمّا فی مثل:
لیس زید بموجودٍ، فإن المسلوب هو الوحدة بین الموضوع والمحمول لا الربط، لما تقدّم من عدم الربط بین الشیء ونفسه.
وتلخّص: إن الوجود الرابط یکون فی مفاد کان الناقصۀ فقط، وهذا الوجود عین الربط، وهو متقوّم بوجود الطرفین، وهو غیر موجود
فی مفاد کان التامۀ. وفی لیس التامّۀ لیس إلّاالنفی للربط.
ص: 294
الأمر الثالث … ص: 294
الوجود الذي فی نفسه ویمکن حمله علی ماهیّته، ینقسم إلی قسمین:
الأول: وجود فی نفسه ولنفسه، وهو وجود الجوهر، وللماهیۀ التی یحمل علیها وجود کذلک.
والثانی: وجود فی نفسه ولغیره، وهو وجود العرض، کوجود العلم لزید ووجود البیاض للجدار.
ثم إنَّ وجود الجوهر کزید رافع لعدمه، أمّا وجود العلم له، فإنه رافع لعدم العلم. وأیضاً هو شأن من شئون زید وطور من أطواره
وکمالٌ له … فکان لوجود الجوهر حیثیّۀ واحدة، ولوجود العرض حیثیّتان … فهو وجود للغیر فیکون وجوداً نعتیّاً وتعلّقیاً، ولذا قالوا
بتعریفه: إنه ماهیۀ إذا وجدت فی الخارج وجدت فی موضوعٍ، فی مقابل الجوهر إذ قالوا: یوجد لا فی موضوع.
ومحلّ الحاجۀ من هذا البیان هو: إن رفع العرض یکون تارةً بسلب الوجود عنه بالنحو المحمولی، واخري بسلبه بنحو الوجود النعتی.
وبعبارةٍ اخري: إنه یمکن رفع العرض بسلب الحیث التعلّقی والإضافی، ویمکن رفعه بسلب الحیث المحمولی بأن یقال: العلم لیس،
وهذا معنی قولهم: وجود العرض ووضعه یکون بالوجود النعتی وکونه لموضوع کوجود العلم لزید، ورفعه یکون برفع الوجود النعتی
کسلب العلم عن زید، أو المحمولی کسلب العلم ونفیه، وهذا مذهب القائلین باستصحاب العدم الأزلی. والمنکرون یقولون: رفعه
لیس إلّابرفع الوجود النعتی، مثلًا:
القرشیۀ وصف موجود للمرأة، وهو متأخّر فی الوجود عن وجودها، لأنه وصف لها وطور من أطوارها، لکنّ عدم القرشیۀ لیس
کذلک، بل قد یکون معها
ص: 295
وقد لا یکون، فإذا ارید رفع القرشیۀ أمکن بأنْ نقول: المرأة غیر القرشیۀ، فکان عدم القرشیۀ وصفاً وطوراً لها. والمنکر للإستصحاب
یقول: بأنّ الرفع لا یکون إلّا هکذا، وإنّ عدم القرشیۀ متأخر عن المرأة لکونه وصفاً لها. لکنّ المثبت للاستصحاب یقول: بإمکان الرفع
أیضاً بأن نقول: المرأة غیر المتّصفۀ بالقرشیۀ.
فهناك مرأة وعدم الاتصاف، فیرفع الاتصاف والانتساب إلی قریش کرفع الوجود المتحقّق لماهیۀ العلم وهو الحیثیۀ الاولی للعرض
کما تقدّم.
الأمر الرابع … ص: 295
صفحۀ 180 من 265
إن القضیۀ إمّا موجبۀ معدولۀ المحمول کالمرأة غیر القرشیۀ، وإمّا موجبۀ سالبۀ المحمول کالمرأة التی لیست بقرشیۀ، وإمّا سالبۀ
محصّلۀ مثل: لم تکن المرأة بقرشیّۀ. وعلیه، فإنّ الحیث العدمی تارةً یکون وصفاً للموضوع واخري لا یکون کذلک.
وبعبارة اخري: تارةً: یربط السلب إلی الموضوع، واخري: یسلب الربط عنه، فإنْ کان من قبیل الأوّل فالقضیۀ موجبۀ، تقول: المرأة غیر
القرشیۀ، وإنْ کان من قبیل الثانی فلا سلب مرتبط بالموضوع بل ربطٌ یسلب، فالقضیۀ سالبۀ محصّلۀ، إنْ لم تکن المرأة قرشیۀً…
وإذا کان عدم القرشیۀ وصفاً للموضوع کما فی الأول، لم یستصحب هذا العدم قبل وجود الموضوع، لفرض کونه متأخّراً عنه تأخّر
الصفۀ عن الموضوع، إلّا علی القول بالأصل المثبت، لأن عدم الوصف قبل الموضوع یغایر عدمه بعده.
أمّا فی الثانی، حیث تسلب القرشیۀ عن الموضوع ولا یکون عدمها وصفاً له بل هو مسلوب عنها، فالاستصحاب جارٍ، لأنّ المرأة لم
تکن قرشیۀً أزلًا وهی الآن کذلک، کما لو شکّ فی شرطٍ أنه مخالف للکتاب والسنّۀ أو لا؟ وقد تقدّم أنه
ص: 296
تارةً: نسلب النّسبۀ کما فی زید لیس بقائم، واخري: ننفی الربط کما فی: زید لیس فی الدار، وفی کلیهما الرفع، لکنْ فی الأول رفع
للنسبۀ وفی الثانی رفع للربط، وقد عرفت أن النسبۀ عبارة عن الاتحاد بین الموضوع والمحمول وهی موجودة فی جمیع القضایا،
بخلاف الربط فلیس فی جمیعها وهو مفاد حرف الجر. وأمّا فی مفاد کان التامّۀ مثل زید موجود، فقد قالوا بوجود النسبۀ فی عالم
التحلیل العقلی، إذْ لا نسبۀ بین الشیء ونفسه کما تقدم.
فالقضایا التی هی مفاد کان الناقصۀ یوجد فیها الربط، فزید عالم معناه: زید له العلم، وأمّا السلب، فلیس إلّاالعدم، وهو لا حکم له، فلما
نقول: زید لیس بموجود، نرفع الاتحاد بین زید والوجود، لکن فی زید لیس عالماً، نرفع الارتباط بینهما، ورفع الوصف عن الموضوع
لا یفید وضع وصف آخر فیه، فرفع القرشیۀ عن المرأة لا یفید اتّصافها بعدم القرشیۀ بل هو رفع للقرشیۀ عنها.
یفیض وصفاً عدمیّاً علی موضوع - « إلّاالقرشیۀ » عامٌ وخاصٌ، فإنْ کان الخاص- وهو « المرأة تري الحمرة إلی خمسین إلّاالقرشیۀ » ففی
فلا یجري الاستصحاب، لکون الوصف « المرأة الموصوفۀ بعدم القرشیۀ تري الحمرة إلی خمسین » : العام أيالمرأة، فیکون المعنی
متأخراً عن الموضوع، إلّاعلی القول بالأصل المثبت. وإن کان الخاصّ رافعاً للقرشیّۀ وسالبها لهاً عن المرأة، فذلک یکون علی نحوین:
أحدهما: المرأة غیر القرشیّۀ، والآخر: مورد عدم وجود المرأة من الأصل … وعلی کلا النحوین ترتفع القرشیّۀ، وهذا معنی قولهم:
السّالبۀ المحصّلۀ ذات فردین: السالبۀ بانتفاء المحمول والسالبۀ بانتفاء الموضوع…
وعلی کلا الحالین، لا مانع من الاستصحاب، إذ المرأة لم تکن ولم تکن معها القرشیۀ، فهل وجدت القرشیۀ بوجودها أوْ لا؟ الأصل هو
العدم.
ص: 297
الأمر الخامس … ص: 297
إن تخصیص العام بعنوانٍ وجودي وإخراجه من تحته؛ یسقطه عن السّ عۀ والشمول کما هو واضح، ولکنْ تارةً یوجب صیرورة العام
مرکّباً واخري مقیّداً موصوفاً، ونتیجۀ ذلک، أنه إنْ کان من قبیل الثانی لم یجر الإستصحاب إلا علی الأصل المثبت، لکون الوصف
متأخّراً عن الموضوع. أمّا علی الأول فیجري، إذ یحرز أحد الجزئین بالأصل مع کون الآخر محرزاً بالوجدان.
فظهر أنّ استصحاب عدم القرشیۀ یجري علی تقدیر القیدیّۀ ولا یجري علی تقدیر الوصفیّۀ.
. إذا عرفت المقدّمات … ص: 297
صفحۀ 181 من 265
یتبیّن تمامیّۀ الاستصحاب:
فبمقتضی المقدّمۀ الثانیۀ- وهی أن الوجود الرابط ثبوت شیء لشیء وهو فرع وجود الشیء من قبل، وفی رفع الثبوت لا حاجۀ إلی
وجود الشیء- یمکن استصحاب عدم قرشیۀ المرأة بنحو عدم الوجود الرابط. فالمرأة القرشیۀ لها ارتباط بقریش، ونحن نرفع هذا
الارتباط والانتساب بقولنا: لم یکن قبل وجود المرأة قرشیۀ، والآن وبعد وجودها نستصحب ذاك العدم بنحو سلب الربط، ولیس رفع
الوجود الرابط فی رتبۀ متأخرةٍ عن الشیء کما لا یخفی.
وبمقتضی الثالثۀ: إن قرشیّۀ المرأة فی مرتبۀ متأخرة عن المرأة، لکنّ عدم قرشیّتها لیس کذلک، لأن عدم العرض لیس عدماً لغیره.
وعلیه: فإنّ القرشیۀ بحاجۀ إلی وجود المرأة، أمّا عدمها فلا. والمفروض أنْ عدم القرشیۀ لیس وصفاً للمرأة.
وبمقتضی الرابعۀ: فإنه بعد التخصیص، سواء کان الموضوع من السّالبۀ
ص: 298
المحصّلۀ بانتفاء المحمول، أو کان بنحو المقسم الجامع بین القسمین، الموضوع قابلٌ للجعل الوجودي.
وبمقتضی الخامسۀ: إنّ أثر الإخراج والتخصیص هو الترکیب والتقیید، ولیس التوصیف، وإذا کان کذلک جري الإستصحاب لإحراز
الجزء الثانی العدمی وهو عدم القرشیۀ، بعد إحراز الوجودي بالوجدان وهو المرأة.
. المقام الثانی (فی المانع …) ص: 298
اشارة
وقد استدلّ المانعون بوجوهٍ لابدّ من إیرادها والنظر فیها:
الوجه الأول:
صحیحٌ أنّ عدم العرض لیس وصفاً للموضوع، لأنّ وجوده یحتاج إلی الموضوع، وأمّا عدمه فغیر محتاج إلیه، ولکنّ هناك خصوصیۀ
تقتضی أنْ یکون وصفاً، وتوضیح ذلک:
إنّ للشیء انقساماً بالنظر إلی أحواله وأوصافه، وانقساماً آخر بالنظر إلی مقارناته، فنسبۀ الجدار إلی البیاض من قبیل الأول، ونسبته إلی
وجود زید وعدم وجوده من قبیل الثانی … والنسبۀ بین الشیء ومقارناته فی رتبۀ متأخرة عنها بینه وأوصافه، لأن الوصف من شئون
الشیء فهو یلحظ معه، کلحاظ العلم مع لحاظ زید، وأمّا مقارنات الشیء فلیست من شئونه کما لا یخفی.
وعلیه، فإنّ القرشیۀ لمّا کانت من أوصاف المرأة، فإن انقسامها إلی وجود القرشیّۀ وعدم وجودها فیها بنحو الوصفیّۀ مقدّم رتبۀً علی
إنقسامها إلیهما بنحو المقارنۀ، فالمرأة بالنسبۀ إلی غیر القرشیۀ بنحو التوصیف متقدّم رتبۀً علی المرأة بالنسبۀ إلیها بنحو المقارنۀ…
فإذا أخرج المولی القرشیّۀ من تحت عموم المرأة لم تبقَ المرأة مهملۀ بالنسبۀ إلی عدم القرشیۀ ولا هی مطلقۀ، أمّا عدم الإطلاق
ص: 299
وهی موضوع « المرأة » فواضح. وأمّا عدم الإهمال، فلأن الحکیم الملتفت إلی انقسامات موضوع حکمه لیس بمهملٍ لها، فیکون
الحکم فی العامّ مقیدةً بعدم القرشیۀ، وقد تقدّم أنّ هذا التقیّد بنحو الوصف مقدَّم علی عدمها بنحو المقارنۀ.
وإذا کانت المرأة مقیّدةً بعدم القرشیّۀ بنحو الوصف، فلا فائدة لاستصحاب العدم الأزلی فی عدم القرشیۀ بنحو المقارنۀ. هذا ثبوتاً.
وأمّا إثباتاً، فإنّ أخذ الأحوال بنحو المقارنات یحتاج إلی مؤنۀٍ زائدة، ومقتضی التطابق بین مقامی الثبوت والإثبات هو أخذها بنحو
الأوصاف.
.«1» وهذا ما أفاده المیرزا رحمه اللَّه
صفحۀ 182 من 265
وما أفاده المحقق الإصفهانی فی الجواب- من قبول تقدّم الانقسام بنحو الأوصاف علی الانقسام بنحو المقارنات، لکنّ المتَّبع هو
الدلیل وکیفیۀ الأخذ فی لسانه- غیر رافع للشبهۀ بعد تقریبنا لها بما عرفت، من أنّه لا مناص من أخذ الدلیل للخصوصیّۀ بنحو الوصف،
لأنّ تقسیم المرأة بنحو الوصف مقدّم کما اعترف، فإذا لحظ المرأة وهو لیس بمهملٍ ولا مطلق بل مقیِّد، فلا محالۀ یکون قد أخذ عدم
القرشیۀ معها بنحو القید، ولا یبقی مجال لأنْ یأخذه بنحو المقارن فی المرتبۀ المتأخرة مرةً اخري.
فالحق أنّ الشبهۀ من حیث الکبري تامۀ واردة.
لکنّ الجواب هو من حیث الصغري، لأنّا قد ذکرنا أنه وإنْ کانت القرشیۀ وصفاً کما هو واضح، لکنّ عدم القرشیۀ لیس وصفاً بل هو
مقارنٌ. فالشبهۀ مندفعۀ من هذه الجهۀ.
__________________________________________________
.330 / 1) أجود التقریرات 2 )
ص: 300
الوجه الثانی:
إن کلّ وصفٍ متأخّر وجوداً عن الموصوف، لکون الموصوف فی مرتبۀ العلّۀ للوصف والوصف قائم به قیام العرض بالمعروض. هذا
من جهۀ. ومن جهۀٍ اخري: فإنّ عدم الوصف ووجوده فی مرتبۀٍ واحدة لأنهما متناقضان، وکلّ متناقضین ففی مرتبۀٍ واحدة.
والنتیجۀ: إن استصحاب عدم العرض والوصف قبل وجود الموضوع لما بعده أصل مثبت.
والجواب
أمّا المقدمۀ الأولی، فلا کلام فیها، کما هو واضح.
إنّما الکلام فی المقدّمۀ الثّانیۀ:
أمّا من حیث المبنی، فبإنکار لزوم کون النقیضین فی مرتبۀ واحدة، لأنّ نقیض الشیء فی کلّ وعاءٍ رفعه فی ذلک الوعاء، وهذه حقیقۀ
التناقض، ولیس هو عدم الشیء فی المرتبۀ، إذ لا ضرورة لأنْ یکون الرفع فی المرتبۀ بل المرتبۀ قید المرفوع والمعدوم، فهو ما یکون
فی المرتبۀ لا الرفع، وعلیه، فإنّ نقیض القرشیۀ فی المرتبۀ بعد وجود المرأة هو رفع القرشیّۀ، ولیس هذا الرفع فی المرتبۀ المتأخرة عن
وجودها.
هذا هو الجواب الأوّل، لکنّه مبنائی، وتفصیل ذلک فی بحث الترتب.
وأمّا من حیث البناء بعد تسلیم ضرورة وحدة الرتبۀ بین النقیضین، فیجاب عمّا ذکر: بأنّ الاختلاف فی المرتبۀ یجتمع مع التقدّم فی
الزمان، وذلک لأنّه- قبل أنْ توجد العلّۀ فی الزّمان- کان الزمان ظرفاً لعدم العلّۀ والمعلول معاً، مع أنّ عدم المعلول متأخّر رتبۀً عن
وجود العلّۀ، فلا تلازم بین الاختلاف الرتبی والزمانی، بل المتأخّر رتبۀً قد یتقدّم زماناً.
ص: 301
وعلی الجملۀ: فإنّ أساس مبنی تأخّر عدم العرض رتبۀً عن وجود المعروض هو: إن وجود العرض وعدمه فی مرتبۀٍ واحدة، ووجود
المعروض کالعلّۀ بالنسبۀ إلی وجود العرض لتخلّل الفاء بینهما، فیلزم أن یکون وجود العرض وعدمه متأخراً عن وجود المعروض،
ولکنّ هذا کلّه لا یمنع من التقدّم زماناً، فإنّ ظرف عدم النار هو نفس ظرف عدم الحرارة أیضاً، مع أن بین النار والحرارة اختلافاً فی
المرتبۀ، للعلّیۀ والمعلولیّۀ کما هو واضح.
وعلیه، فإنّ عدم القرشیۀ متقدّم زماناً علی المرأة والقرشیّۀ- وإنْ کانت القرشیۀ وعدمها فی رتبۀٍ متأخرة عن المرأة- فیستصحب ذاك
العدم المتقدّم زماناً إلی الزمان المتأخّر عن وجودها، ولیس بالأصل المثبت.
وهذا هو الحقیق فی الجواب علی فرض تسلیم المبنی.
صفحۀ 183 من 265
الوجه الثالث:
إن استصحاب العدم الأزلی لا عرفیّۀ له، وأدلّۀ الاستصحاب منصرفۀ عنه، لأنّ المفروض تردّد المرأة الموجودة بین القرشیۀ وعدمها،
لها قبل وجودها، فکیف یجري فی حالها استصحاب العدم؟ « هذیّۀ » فیستصحب حالتها السابقۀ لإفادة عدم القرشیۀ. لکنّ هذه المرأة لا
.«1» قاله جماعۀ منهم السید البروجردي
تحقیق المطلب:
إنّ الإنصراف لابدّ له من منشأ، والمنشأ إمّا ندرة وجود بعض حصص الماهیۀ، کأنْ یقال بانصراف جئنی بماءٍ عن ماء زمزم فی مدینۀ
قم، وإمّا کثرة استعمال اللفظ فی احدي الحصص دون الاخري، وإمّا التشکیک فی صدق المفهوم عرفاً، کإنصراف الحیوان عن
الإنسان، فإن صدقه علیه خفی، وکإنصراف
__________________________________________________
. 1) نهایۀ الاصول: 302 )
ص: 302
ما لا یؤکل لحمه عن الإنسان.
فلیس هناك قضیۀ متیقّنۀ بل هی مشکوکۀ من أول الأمر، وعلیه، فلا موضوع عقلًا « هاذیّۀ » والمرأة إنْ لم یکن لها قبل الوجود
منصرفۀ، إذ الإنصراف إنما یکون حیث یوجد الموضوع والصّدق العرفی. «1» للإستصحاب، لا أنّ أدلّۀ الإستصحاب کصحیحۀ زرارة
وعلیه، فإنّ الإستدلال علی بطلان الإستصحاب فی هذا الوجه مختلف، فتارةً الدلیل علی المنع هو الحکم العقلی من جهۀ عدم
الموضوع. واخري هو الإنصراف من جهۀ عدم شمول أدلّۀ الإستصحاب لمثل المرأة هذه.
ولذا نقول: إنه إن کان وجه المنع هو: عدم الموضوع وانتفاء القضیۀ المتیقّنۀ من جهۀ أنه لا ماهیّۀ للمرأة قبل وجودها، لکون الماهیّۀ
منتزعۀ من الوجود، فلا هذیّۀ للمرأة المعیّنۀ قبل وجودها، فکیف یجري الاستصحاب؟
فالجواب: إنا نرید بعد وجود المرأة إثبات المرأة بلا قرشیۀ، فنقول:
هذه المرأة المعیَّنۀ مسبوقۀ بالعدم ذاتاً وصفۀً، وقد انتقض ذاك العدم بالنسبۀ إلی نفس المرأة إذ وجدت، فهل عدم قرشیّتها قد انتقض
إلی القرشیۀ أو لا؟ هذا مشکوك فیه، ویستصحب الیقین السابق.
وإنْ کان وجه المنع هو: عدم العرفیۀ لهذا الاستصحاب فتکون أدلّته منصرفۀ عنه.
فنقول: لا وجه لهذا الإنصراف، لأنّ المرجع فی تطبیق مفاهیم الألفاظ هو حکم العقل، وأمّا العرف فنرجع إلیه فی أصل المفهوم، فلما
قال الشارع: لا تنقض الیقین بالشک، احتجنا إلی قضیۀٍ متیقنۀ سابقۀ وقضیۀ مشکوکۀ لاحقۀ، مع اتّحاد
__________________________________________________
. 245 ، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، رقم: 1 / 1) وسائل الشیعۀ 1 )
ص: 303
الموضوع فی القضیّتین، والفقیه یطبّق النصّ علی مورده حسب الأدلّۀ العقلیۀ، وهو لا یتوقّف فی التمسّک بهذا النص فی مورد العدم
الأزلی، فلیس المرجع فیه هو العرف حتی یقال بعدم عرفیّۀ هذا الاستصحاب.
علی أنه قد تقرّر فی محلّه: أن المنشأ للإنصراف هو التشکیک فی ال ّ ص دق، وهذا الملاك بالنسبۀ إلی العدم الأزلی غیر موجود، فلو
کان تشکیک فی الصدق لزم عدم القول بالاستصحاب فی الأحکام الشرعیۀ، والحال أن المشهور یتمسّ کون عند الشک فی الحکم
باستصحاب عدم الجعل کما یتمسّ کون بالبراءة … وعلی أساس استصحاب العدم الأزلی ذهب بعضهم- کالسید الخوئی- إلی عدم
جریان الاستصحاب فی الأحکام الکلیۀ الإلهیۀ إذ قال بأنّ عدم الجعل معارض باستصحاب بقاء المجعول…
صفحۀ 184 من 265
وتلخص اندفاع هذا الوجه حلّاً ونقضاً.
الوجه الرابع:
إنّ العدم فی الأزل غیر العدم بعد الوجود … ومن أجل هذه المغایرة یکون استصحاب العدم الأزلی من الأصل المثبت … مثلًا: عدم
البیاض علی الجدار الذي کان قبل وجود الجدار یغایر عدمه بعد وجود الجدار … لأنّ العدم الأوّل کان مستنداً إلی عدم الموضوع،
وإذْ لا موضوع فلا عرض، بخلاف العدم الثانی، فإنّ الموضوع- وهو الجدار- موجود ولیس بأبیض.
وبعبارة اخري: لا یعقل بقاء المعلول مع تغیّر العلّۀ، فإنْ علّۀ العدم قبل وجود الموضوع شیء، وعلّته بعد وجود الموضوع شیء آخر،
وإذا تعدّدت العلّۀ وتغیّرت، فالمعلول کذلک، فکان المتیقّن السابق غیر المشکوك فیه لاحقاً…
فلا یجري الإستصحاب، وهذا التقریب أقوي من تقریب المثبتین.
ص: 304
والجواب:
هو: أنّه لا معنی لأنْ یکون عدم العلّۀ علۀً لعدم المعلول، فلو قیل هکذا فهو مسامحۀ فی التعبیر، بل الحقیقۀ: أن منشأ عدم المعلول هو
عدم العلّۀ لوجوده، فالشیء لا یوجد لعدم الموجد له لا لأنّ لعدمه علۀً، فإسناد العلیّۀ إلی العدم مسامحۀ.
هذا حلّ المطلب وبه یندفع الإشکال.
ولو تنزّلنا وسلّمنا التغایر بین العدمین- السابق واللّاحق لوجود الموضوع- فإنّ هذه المغایرة العقلیۀ لا تضرّ بالتمسّک بأدلّۀ الإستصحاب،
لأن المرجع فی وحدة الموضوع فی القضیّتین فی باب الإستصحاب هو نظر العرف لا الدقّۀ العقلیّۀ، والعرف لا یري التغایر بین عدم
البیاض قبل وجود الجدار وبعد وجوده.
وعلی الجملۀ، فقد علم ممّا تقدّم: أنّ إستصحاب العدم الأزلی أساسه هو الترکیب فی الموضوع، فهو- بعد التخصیص- المرأة بانضمام
عدم القرشیّۀ، والشرط بانضمام عدم المخالفۀ للکتاب والسنّۀ، والعالم بانضمام عدم الفسق…
وهکذا … وفی الزمان اللّاحق، لمّا یشک فی الموضوع بقاءً، یکون أحد الجزئین ثابتاً بالوجدان وهو وجود المرأة، أمّا الآخر
فمشکوك فی بقائه، فیجري الإستصحاب فیه … وسیأتی بقیۀ الکلام فی تطبیق البحث علی مسألۀ الکرّ.
الوجه الخامس:
إنّ إستصحاب العدم الأزلی فی بعض الحالات مثبت کما تقدّم. وهو فی بعض الحالات محال وإنْ لم یکن بأصل مثبت … أمّا کونه
أو ،« المرأة غیر القرشیۀ » أصلًا مثبتاً، فحیث یؤخذ عدم القرشیۀ فی طرف الموضوع بنحو العدول فی المحمول، بأنْ یکون الموضوع
بنحو السالبۀ بانتفاء المحمول بأنْ یکون
ص: 305
ففی هاتین الحالتین یکون الاستصحاب أصلًا مثبتاً… .« المرأة التی لیس بقرشیّۀ »
کما تقدّم.
المرأة إذا لم تکن » : لکنّ هناك حالۀً ثالثۀً وهی: أنْ تکون القضیّۀ بعد إخراج القرشیّۀ بالتخصیص بنحو السّالبۀ المح ّ ص لۀ بأنْ یقال
فإنّ هذا الفرض محال، لأنّ السّالبۀ المح ّ ص لۀ وإنْ کانت صادقۀً حتی مع عدم الموضوع فلا یکون أصلًا مثبتاً، لکنّ لازم ،« بقرشیۀ
صدقها کذلک هو کون المعدوم محکوماً بحکمٍ وجودي، وهذا محال…
والحاصل: إنّ للقائلین بجریان استصحاب العدم الأزلی أن یأخذوا القضیۀ بنحو السّالبۀ المح ّ ص لۀ، فراراً من الوقوع فی الأصل المثبت،
یجتمع مع « المرأة إذا لم تکن بقرشیّۀٍ » لکنّهم یقعون فی إشکالٍ آخر، وهو لزوم الحکم علی المعدوم بحکمٍ وجودي وهو محال، لأنّ
علی هذه المرأة، معناه جواز حمل الحکم الوجودي علی « تري الدم » وجود المرأة وعدم وجودها- فلیس الأصل مثبتاً- لکنّ حمل
صفحۀ 185 من 265
المرأة المعدومۀ وهذا محال.
والجواب
وقد أجاب الأُستاذ عن هذا الإشکال المتعلّق بعلم المعقول بالنقض والحلّ.
أمّا نقضاً، فقد ذکر وجود قضایا شرعیّۀ وعقلیّۀ بنحو السّلب المحصَّل والمحمول أمر وجودي، ففی القرآن الکریم فی حکم من لم
«1» « فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَۀِ أَیَّامٍ » : یجد الهدي
أمر وجودي. وفی القضایا العقلیۀ تقول: « فَصِیامُ ثَلاثَۀِ أَیَّامٍ » حیث أن الموضوع عدم وجدان الهدي بنحو السلب المحصّل والحکم
__________________________________________________
. 1) سورة البقرة: الآیۀ 196 )
ص: 306
إذا لم تکن الشمس طالعۀً تکون تحت الافق، فهذا سلب محصّل- مثل إذا لم تکن المرأة قرشیۀ- وقد حمل علیه حکم وجودي وهو
.« تکون تحت الافق »
وأمّا حلّاً، فقد قسّموا القضیّۀ إلی المعدولۀ والمح ّ ص لۀ، والمحصّلۀ تأتی موجبۀً وسالبۀً، وإنما سمّیت محصّلۀً لأنْ الموضوع والمحمول
أو « اللّامتناهی معقول » فإنْ کان العدم جزءً للموضوع کقولهم .«1» فیها فعلیّان محصَّلان، إلّاأنه قد ورد السَّلب فی القضیّۀ علی الربط
سمّیت القضیۀ معدولۀ، فتارة معدولۀ الموضوع « غیر المتناهی غیر موهوم » أو لکلیهما مثل « الحوادث غیر متناهیۀ » للمحمول مثل
کالأول، واخري معدولۀ المحمول کالثانی، وثالثۀ معدولۀ الطرفین کالثالث، وهی قضایا موجبۀ قد حمل فیها شیء علی شیء، ولذا
یعتبر فیها الثبوت إما ذهناً وإما خارجاً.
أمّا فی السّالبۀ، فلیس المعتَبر هو السلب عن الموضوع الموجود أو المعدوم، بل هو قابلیۀ صدق القضیۀ فی مورد وجود الموضوع
ومورد عدم وجوده، فلذا قالوا بصدق القضیۀ السّالبۀ المحصّلۀ مع وجوده ومع عدمه، لا أنّه یعتبر فی صدقها وجوده أو عدمه.
وعلی الجملۀ، فإنّ تقیّد موضوع القضیّۀ المشتملۀ علی حکم وجودي بعدم الوصف بنحو السّالبۀ المح ّ ص لۀ، لا ینافی وجود الموضوع،
ولا یلزم ثبوت ذلک الحکم فی حال عدم الموضوع حتی یشکل بلزوم حمل الوجودي علی العدمی، لأنه لا مُلزم به، بل ما قام علیه
البرهان هو عدم اشتراط وجود الموضوع فی السّالبۀ المحصّلۀ، أمّا أن یکون لعدم الموضوع موضوعیۀ فی وجود الحکم،
__________________________________________________
1) قال الأُستاذ: هذا رأي الخواجۀ وغیره، وعندنا أن السلب یرد علی المحمول ولازم ذلک سلبالربط لا أنه یرد علی الربط. )
ص: 307
فلا برهان علیه. فالإشکال مندفع.
وإلی هنا انتهی الکلام علی أدلّۀ استصحاب العدم الأزلی، وظهر أنّ القول بجریانه هو الحق.
. تطبیق البحث علی مسألۀ الشکّ فی کریّۀ الماء … ص: 307
اشارة
وإنّ من جملۀ المسائل المتفرّعۀ علی بحث استصحاب العدم الأزلی مسألۀ ما لو شک فی کریّۀ ماءٍ من جهۀ الشک فی صدق عنوان
الکرّ علیه، بعد تحدید الکرّ بکذا عددٍ من الأشبار، فهل هذا الماء کرٌّ أو لا؟ فلو لاقی نجساً ینفعل أو لا؟
صفحۀ 186 من 265
قولان.
بخلاف مسألۀ ما لو شک فی أنّ ،«3» ( وتبعه صاحب (العروة «2» وصاحب (الجواهر) إلی عدم الإنفعال ،«1» ذهب الشیخ إلی الإنفعال
لهذا الماء مادّة أو لا؟
فقال هناك بالانفعال … ومن المحشین- کالسیّد الشاهرودي- من قال بالطّهارة فی کلیهما، ومنهم: قال بالنجاسۀ فی کلیهما وهو
المختار عند الأُستاذ. وقد استدلّ لهذا القول بوجوه:
الأول: قاعدة المقتضی والمانع. فالماء المشکوك الکریّۀ بنحو الشبهۀ المصداقیۀ مع عدم العلم بالحالۀ السابقۀ نجس، من حیث أنّ
الملاقاة مع النجس تقتضی النجاسۀ وأمّا المانع وهو الکریّۀ فمشکوك فیها … فالماء محکوم بالنجاسۀ.
وهذا مبنی الشیخ هادي الطهرانی وتلامذته.
إلّا أن الإشکال فی تمامیۀ أصل القاعدة المذکورة کما ذکر الشیخ وغیره.
الثانی: التمسّک بعموم العام فی الشبهۀ المصداقیۀ، لأن مقتضی العمومات
__________________________________________________
.159 / 1) کتاب الطّهارة 1 )
.171 / 2) جواهر الکلام 1 )
. 3) العروة الوثقی، أحکام المیاه، فصل: الرّاکد بلا مادّة، المسألۀ 7 )
ص: 308
تنجّس الماء بالملاقاة، والقدر الخارج هو الکرّ، فمتی شکّ فی کریّۀ الماء تمسّک بعموم العام وحکم بنجاسۀ الماء بالملاقاة.
وهذا الوجه یبتنی علی جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهات المصداقیّۀ.
الثالث: الأخذ بقاعدة أسسّ ها المیرزا هی: کلّما ثبت حکم إلزامی لموضوع ثمّ ورد علیه المخ ّ صص، فلابدّ من العمل بالحکم الإلزامی
حتی یحرز المخ ّ صص. مثلًا: یحرم التصرّف فی مال الغیر، وهذا حکم إلزامی، إلّاأنه خ ّ صص بمورد رضا المالک، لکنْ لا یجوز
التصرف إلا بعد إحراز الرضا. وکذلک ما نحن فیه، فإنّه یجب الإجتناب إلزاماً عن الماء إذا لاقی النجس إلّاإذا کان کرّاً، فإنّ الحکم
بوجوب الإجتناب محکّم إلّاإذا احرز کریّۀ الماء.
قال الأُستاذ: وقد بُحث فی محلّه عن هذه القاعدة وظهر عدم تمامیّتها.
الرابع: استصحاب عدم وجود الکرّ فی هذا الحوض مثلًا، تعرّض له الشیخ فی (کتاب الطهارة) ولا یأخذ به، لکونه أصلًا مثبتاً، لأنّ لازم
عدم وجود الکرّ فی هذا الحوض عقلًا عدم کریّۀ هذا الماء.
الخامس: إستصحاب العدم الأزلی لکریّۀ هذا الماء، فإنّه لمّا لم یکن لم یکن کرّاً، وبعد الوجود نشکّ فی کریّته، فنستصحب عدمها.
وهذا هو الوجه العمدة فی الفتوي بنجاسۀ الماء المشکوك الکریّۀ.
الإشکال علیه … ص: 308
وقد اشکل علیه أولًا بعدم الفرق بین هذا الوجه والوجه السابق، فکما کان ذاك أصلًا مثبتاً کذلک هذا الوجه، لأنّ استصحاب العدم
المحمول للکریّۀ بالنسبۀ إلی وصف الکریّۀ أصل مثبت.
ص: 309
صفحۀ 187 من 265
أجاب الُأستاذ …: ص: 309
بأن الوجه الرابع متقوّم بالشک فی وجود الموضوع، وهذا الخامس أساسه الشک فی وصف الموجود، فهناك کان الشک فی وجود
الکرّ، فکان استصحاب عدم وجوده بالنسبۀ إلی عدم وصف الکریّۀ أصلًا مثبتاً. أمّا هنا، فإنّ المستصحب عدم کریّۀ الماء الموجود فی
الحوض، فلیس بأصل مثبت. نعم، ذهب السیّد الحکیم إلی أنه لیس من استصحاب العدم الأزلی لعدم جریانه فی عوارض الماهیّۀ،
وهو الإشکال الثانی علی هذا الوجه.
التفصیل فی المسألۀ … ص: 309
فی بین عوارض الوجود فقال بجریان استصحاب العدم الأزلی فیها، وعوارض الماهیۀ فقال بعدم الجریان. «1» فقد فصّل السید الحکیم
لأنّ الکریّۀ هی السّ عۀ فی طبیعۀ الماء وذاته … ولذا ،«2» ( ومورد الشکّ فی کریّۀ الماء من قبیل الثانی، وعلیه بنی فی (المستمسک
یفرَّق بین کریّۀ الماء ولون الماء، فاللّون من عوارض وجود الماء، أمّا الکریّۀ فمن عوارض ذاته سواء کان موجوداً أو لا.
وعلی الجملۀ، فإنه إنْ کان المراد استصحاب عارض الماهیّۀ، فإنّ لحاظ الذات والماهیّۀ فی مرتبۀ الذات یکفی لانتزاع العارض منها،
کما ینتزع الإمکان من ملاحظۀ حدّ ذات الإنسان، فیقال بقابلیّۀ هذه الذات للوجود وللعدم، فإنّ هذا المعنی لا ینفکُّ عن الذات ولیس
له حالۀ سابقۀ حتی تستصحب، فلا وجه للتفصیل المذکور. وإنْ کان المراد عوارض الوجود الذهنی والخارجی کلیهما کالزوجیّۀ
بالنسبۀ إلی الأربعۀ، أو الذهنی فقط کالنوعیّۀ للإنسان، أو الخارجی فقط کالبیاض بالنسبۀ للجدار … فإن الاستصحاب فی عوارض
الوجود جارٍ بلا إشکال.
__________________________________________________
(1)
.506 / حقائق الاصول 1
.153 / 2) المستمسک فی شرح العروة الوثقی 1 )
ص: 310
وأفاد بأنّ الإشکال الوارد علی السید الحکیم هو الإشکال الصغروي «1» ( وعلی الجملۀ، فقد دفع الأُستاذ ما أورد علیه فی (التنقیح
وذلک:
لأنّ الشک فی کریّۀ هذا الماء الموجود لیس من قبیل عوارض الماهیّۀ، بل إنّ الکریۀ من مقولۀ الکم، فهی من عوارض الوجود،
والاستصحاب جارٍ بلا کلام.
هذا، والظاهر أنّ السید الحکیم قد تأثّر بنظر استاذه المحقق العراقی فی المقام، فإنّ له تفصیلًا یتوقف فهم کلامه فیه علی ذکر مقدّمات:
-1 إنّ مجري الاستصحاب هو الحکم الشرعی أو موضوعه أو نقیض الحکم الشرعی.
-2 إن نقیض کلّ شیء فی مرتبۀ الشیء، فلو لم یکونا فی مرتبۀٍ واحدة فلا تناقض.
-3 إن استصحاب العدم الأزلی یکون دائماً فی مورد السالبۀ بانتفاء الموضوع، مثلًا: إنا نرید أن نجرّ بالإستصحاب عدم قرشیۀ المرأة
الثابت قبل وجودها حتی بعد وجودها، فهذا الإستصحاب یجري، لأنه من السالبۀ بانتفاء الموضوع، فلو لم یکن من هذا القبیل لما
جري.
وبعد المقدمات:
صفحۀ 188 من 265
إن التقیید عملیۀ ذهنیۀ، فالشیء یکون منفصلًا عن الشیء، إلّاأنه یحصل بینهما الارتباط فی عالم الذهن کالارتباط بین زید والعلم، ثم
یقال: زید عالم، لکنّ هذا التقیید: تارةً: یکون فی حدّ الذات قبل الوجود مثل زید العالم والمرأة القرشیۀ والماء الکر، فإنّها تقییدات فی
صقع الذات، ولذا صحّ حمل الوجود والعدم کأن یقال: زید العالم موجود، وزید العالم معدوم. واخري: یکون بعد
__________________________________________________
.177 / 1) التنقیح فی شرح العروة الوثقی 2 )
ص: 311
الوجود کأن نقول: إن وجد زید وکان عالماً، إنْ وجدت المرأة وکانت قرشیۀً.
فإنْ کان التقیید من قبیل الأول، فهو غیر دائر مدار وجود الموضوع، بل التقیید موجود مع عدم الموضوع، کما أن الملازمۀ بین الفساد
وتعدّد الالهۀ موجودة وهی غیر دائرة مدار وجود الالهۀ، وإنْ کان من قبیل الثانی، فیدور مدار الموضوع، فلا تقیید للمرأة بالقرشیۀ قبل
وجودها…
وعلی هذا، فإنّ الإستصحاب إنما یجري فی الأول دون الثانی، لکونه بعد الوجود، وإذا کان بعده فنقیضه أیضاً بعده- بحکم المقدمۀ
.«1» الثانیۀ- وقد عرفت فی المقدمۀ الثالثۀ أن المستصحب إما حکم الموضوع وإما نقیضه، ولا وجود لأحدهما بعد الوجود
أجاب الُأستاذ … ص: 311
بأنّ فی کلامه مواقع للنظر. منها:
إن المقصود هو إجراء استصحاب العدم الأزلی فی الزمان لا فی المرتبۀ، لأن الأحکام الشرعیۀ تدور مدار الزمان، والتقیید بین المرأة
والقرشیۀ هو فی ظرف وجود المرأة وإلّا فلیس فی عالم العدم شیء، فلا معنی لقوله بالتقیید قبل الوجود.
هذا أولًا.
وثانیاً: قد تقدم أنْ لا برهان علی کون النقیضین فی مرتبۀٍ واحدة.
فظهر: إنّ التقیید فی قضیّۀ: إذا وجدت المرأة وکانت قرشیۀ، هو بعد وجود المرأة، لکنّ عدم التقیید وعدم القرشیۀ لیس بعد وجودها،
فکما یجري الاستصحاب فی الصورة الاولی، کذلک هو جارٍ فی الثانیۀ أیضاً. فلا وجه للتفصیل المذکور.
__________________________________________________
.528 (2 - 1) نهایۀ الأفکار ( 1 )
ص: 312
وهل یجري استصحاب العدم الأزلی فی الذاتیّات کالکلبیّۀ للشیء المطروح علی الأرض الآن کما یجري فی الأوصاف والأعراض
کالقرشیّۀ للمرأة الموجودة؟
قال الأُستاذ فی الدورة السابقۀ: بأن جریانه فی الذاتیّات مشکل. أمّا فی الدورة اللّاحقۀ فقد أرجأ البحث إلی الإستصحاب.
وانتهی البحث عن استصحاب العدم الأزلی والحمد للَّه أوّلًا وآخراً.
ص: 313
دوران الأمر بین التخصیص والتخصّص … ص: 313
اشارة
صفحۀ 189 من 265
لو جهلنا بفردیّۀ الفرد للعام مع العلم بحکم الفرد، فهل یمکن إحراز عدم الفردیّۀ بالتمسّک بالعام؟ ویعبَّر عن ذلک بدوران الأمر بین
التخصیص والتخصّص.
ویقع البحث عن ذلک تارةً: فیما لو کان حکم الفرد علی خلاف حکم العام، واخري: فیما لو کان العنوان الخارج من تحت العام
مردّداً بین فردین.
فالبحث فی مقامین:
. المقام الأول (لو کان حکم الفرد علی خلاف حکم العام …) ص: 313
فشک فی أن حرمۀ إکرام زیدٍ هی بسبب کونه جاهلًا فهو خارج تخ ّ ص صاً، أو « یحرم إکرام زید » : ثم قال « یجب إکرام العلماء » لو ورد
بسبب آخر مع کونه من العلماء فیکون خروجه تخصیصاً … فقیل: بجریان أصالۀ العموم وعدم التخصیص، فیکون العام باقیاً علی
عمومه، ولازم جریان هذا الأصل خروج زید تخصّصاً وأنه لیس بعالمٍ، وقد تقرّر حجیّۀ مثبتات الاصول اللّفظیّۀ.
فی الدلیل مستعملٌ فی مدلوله وهو العموم، « العلماء » وذهب صاحب (الکفایۀ) وجماعۀ إلی عدم جواز التمسّک بالعام، لأنّ لفظ
والمتکلّم مریدٌ لهذا الاستعمال فالإرادة الاستعمالیۀ ثابتۀ، وهذه هی الدلالۀ التصدیقیۀ الاولی … ثم إنّ للمتکلّم إرادة جدیّۀ علی طبق
تلک الإرادة الاستعمالیۀ، فظهور کلامه فی وجوب إکرام جمیع العلماء مرادٌ له جدّاً، وهذه هی الدلالۀ التصدیقیۀ الثانیۀ، إلّاأنّه لا وجه
ص: 314
تحته، لا من حیث الإرادة الاستعمالیۀ، لأن مقتضی أصالۀ العموم فی یجب إکرام العلماء هو وجوب « زید » للتمسّک بالعام لإدخال
إکرام کلّ من کان متّصفاً بالعلم، لکنّ العام لا یتکفّل بیان حال موضوعه ولا یعیّن من هو العالم. ولا من حیث الإرادة الجدیّۀ، لأنّ
مقتضی هذا الأصل أنّ من کان عالماً فهو المراد الجدّي فی وجوب إکرامه، ولا یعیّن الفرد…
فظهر أن لا طریق من ناحیۀ العام لبیان حال الفرد المشکوك فیه … وحینئذٍ، لا موضوع للّازم العقلی، لأن لوازم الاصول اللّفظیّۀ حجّۀ
مادام یکون هناك ملزوم، وإذْ لا جریان لأصالۀ العموم فلا لازم.
وبتقریب آخر:
إنّ أساس الاصول اللّفظیۀ- کأصالۀ العموم- هی السیرة العقلائیۀ، ومرکزها ما إذا کان المراد مشکوکاً فیه، فإنه مع هذا الشک
یتمسّک بالأصل، وأمّا حیث یکون المراد معلوماً فلا، وما نحن فیه من هذا القبیل، لأنّ المفروض عدم الشک فی مراد المولی، فإنه قد
حرّم إکرام زید، بل المشکوك فیه کون زید من قبل داخلًا تحت العام ثمّ اخرج، أو أنه لم یکن داخلًا، وهذا أمر آخر، ولیس یجري
الأصل اللّفظی فیه.
وبتقریب ثالث:
إنّ مجري أصالۀ العموم هو الشک، فی أصل التخصیص أو فی التخصیص الزائد، ومورد البحث لیس منهما.
. المقام الثانی (لو تردّد بین فردین …) ص: 314
ثم تردّد المراد بین زید العالم وزید الجاهل، إن أراد الأول فهو تخصیصٌ، « یحرم إکرام زید » : ثم قال « یجب إکرام العلماء » : لو قال
وإن أراد الثانی فهو
ص: 315
تخصّص، فهل یمکن تعیین (زید) بالتمسّک بالعام؟ وهل عن طریق العام ینحلّ العلم الإجمالی؟
بجواز التمسّک بالعام وحصول الانحلال: بأنّ أصالۀ العموم فی دلیل العام حجۀ فی - «2» ( وتبعه فی (المحاضرات - «1» قال المیرزا
صفحۀ 190 من 265
مورد الشک فی التخصیص، ومعنی الحجیۀ هو وضوح جهۀ الحکم، وأنّ کلّ عالم فهو واجب الإکرام، وحیث أن زیداً عالم، فیشمله
العموم ویجب إکرامه لکون خروجه تخصیصاً مشکوك فیه، ویدلّ ذلک بالإلتزام علی عدم حرمۀ إکرامه، للتضادّ بین الوجوب
والحرمۀ … وبذلک ینطبق النّهی عن الإکرام علی زید الجاهل، فانحلّ العلم الإجمالی … فلم یؤثر إجمال الخاص علی العام بل
بالعکس فقد رفعت أصالۀ العموم الإجمال عن الخاص. وبهذا التقریب یندفع اشکال السیّد البروجردي.
قال الأُستاذ:
قد تقدّم أن مبنی أصالۀ العموم هی السیرة العقلائیۀ، ولا ریب فی قیام السیرة علی الأخذ بالعام فی مورد الشک البدوي، وکذا مورد
العلم الإجمالی المردّد بین الأقل والأکثر فی الشبهۀ المفهومیۀ، کتردّد الفسق بین مرتکب الکبیرة أو الأعم، لرجوع الأمر إلی الشبهۀ
البدویّۀ فی طرف الأکثر، وأمّا لو کان بین طرفی التردید التباین- کما نحن فیه- حیث أنّ الشک فی التخصیص مقرون بالعلم الإجمالی
المنجّز فی حدّ نفسه- بقطع النظر عن العام- ولا ینتهی الأمر إلی الشبهۀ البدویۀ، فإنّ قیام السیرة العقلائیۀ علی الأخذ بعموم العام غیر
واضح. مثلًا: لو أنّ
__________________________________________________
.318 / 1) أجود التقریرات 2 )
.391 / 2) محاضرات فی اصول الفقه 4 )
ص: 316
رجلًا له تجاراتٌ متعدّدة، منها تجارةٌ فی الکتب وتجارةٌ فی الذهب والمجوهرات، فکتب إلی أحد وکلائه فی البلاد بشراء کلّ کتابٍ،
فهل یتوقّف حتی ،« المجوهرات » أو « جواهر الکلام » فشکّ الوکیل فی أنّ مراده کتاب « الجواهر » ثم أرسل إلیه رسالۀً فی أنْ لا یشتري
یستوضح المراد من المخ ّ صص أو یتمسّک بالعام؟ الظاهر هو الأوّل، وقیام السّیرة علی التمسّک بالعام فی مثله غیر ثابت، ومع الشک
فی ثبوتها، فالقدر المتیقّن هو مورد الشبهۀ البدویۀ والأقل والأکثر الذي یؤول إلیها.
بقی النظر فی رأي السید البروجردي علی ضوء المقدّمات التالیۀ:
-1 إن العلم الإجمالی متقوّم دائماً بقضیۀ منفصلۀ مانعۀ الخلو، ففیما نحن فیه: یحرم الإکرام إمّا إکرام زید العالم وإما إکرام زید
الجاهل، فلابدّ من احتمال حرمۀ إکرام العالم أیضاً وإلّا لم یتحقق العلم الإجمالی.
-2 إن احتمال اجتماع الضدّین محال کاجتماعهما واقعاً.
-3 إنّ الأحکام الخمسۀ متضادّة، وإن وقع البحث فی أنه تضادٌ فلسفی أو اصولی.
«1» فقوله رحمه اللَّه: بأنْ دلیل العام حجۀٌ بالنسبۀ إلی زید العالم، لکنَّ العلم الإجمالی باقٍ علی حاله، لأنا نحتمل حرمۀ إکرامه أیضاً
فیه: إنّ حجیۀ العام فی الوجوب توجب انحلال العلم، وإلّا یلزم احتمال اجتماع الضدّین وهو محال کما تقدّم.
__________________________________________________
(1)
.310 - نهایۀ الاصول: 309
ص: 317
هل یجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصّص …؟ ص: 317
اشارة
صفحۀ 191 من 265
وهذا البحث أحد المطالب المهمّۀ فی فصل العام والخاص وثمرته العملیۀ فی سائر الأبواب واضحۀ.
وقد وقع الاتّفاق علی أنْ لیس للفقیه أن یفتی ما لم یفحص … کما أن علی المقلِّد أن یفحص عن فتوي المجتهد فی الشبهات
الحکمیّۀ، والمجتهد مکلّف بالفحص فی الروایات، فلا یفتی علی طبق روایۀٍ إلّابعد الفحص عن المعارض لها، وکذا فی الاصول
العملیۀ، فلا یجري الأصل إلّابعد الفحص عن الدلیل، وکذا فی بابی الإطلاق والتقیید والعموم والخصوص…
والکلام فی هذا المقام فی ثلاثۀ جهات:
. الجهۀ الأولی (فی دلیل عدم جواز التمسّک بالعام قبل الفحص …) ص: 317
اشارة
فالمشهور بل کاد یکون متَّفقاً علیه ذلک، إلّاأنّ الإختلاف فی کیفیۀ إقامۀ الدلیل.
فقد ذهب جماعۀ إلی أنه لمّا کان مناط الأخذ بالاصول اللّفظیّۀ هو الظن الشخصی بالمراد، فإنه ما لم یفحص عن المخصّص أو المقیّد
أو القرینۀ، لا یحصل الظنّ الشخصی حتی یأخذ بأصالۀ العموم أو الإطلاق أو الحقیقۀ.
وهذا الوجه یبتنی- کما عرفت- علی القول بدوران حجیّۀ الاصول مدار الظن الشخصی، لکن التحقیق دورانه مدار الظن النوعی.
ص: 318
إلی وجهٍ آخر وهو: إنّه لمّا کانت الخطابات الشرعیّۀ مخت ّ ص ۀً بالمشافهین، وسائر الناس مکلّفون بها من باب «1» وذهب المیرزا القمی
الظن المطلق، فالقدر المتیقّن من دلیل اعتبار الظن المطلق هو حالۀ بعد الفحص عن المخصّص.
وهذا الوجه- کما تري- مبنی علی اختصاص الخطابات الشرعیّۀ بالمشافهین وقانون الإنسداد، ومع القول بعدم انسداد باب العلمی،
وأیضاً عدم اختصاص الخطابات … یسقط.
فالعمدة هو الأدلۀ المقامۀ من الشیخ وصاحب (الکفایۀ) والمیرزا، وهی ثلاثۀ.
. الدلیل العقلی … ص: 318
اشارة
قال الشیخ ما حاصله: إنا نعلم إجمالًا بورود المخصّصات علی عمومات الکتاب والسنّۀ وأنّ بعضها مخصَّص یقیناً، وهذا العلم یقتضی
الفحص عن الأحکام الإلزامیۀ الموجودة فی المخ ّ ص صات، وهو منجّزٌ من جهۀ احتمال العقاب علی العمل بالعمومات قبل المخصص
عن المخصّصات لها ما لم ینحلّ العلم.
وقد اشکل علی هذا الاستدلال، بکونه أخصّ من المدّعی، فإنّه یجري فی موارد الأقل والأکثر، والمدّعی أعمُّ من ذلک…
علی أن العلم فی مورد الأقل والأکثر منحلٌّ بعد الفحص بالمقدار المتیقّن.
فالبیان المذکور مخدوش.
وحاصله: أن العلم الإجمالی یکون فی ثلاث «2» وقد قرّبه المیرزا ببیانٍ آخر
__________________________________________________
.233 / 1) قوانین الاصول 1 )
.355 / 2) أجود التقریرات 2 )
ص: 319
صفحۀ 192 من 265
موارد:
-1 العلم الإجمالی المردّد بین المتباینین، وهی القضیّۀ المنفصلۀ المانعۀ للخلوّ، فإمّا هذا الإناء نجس وإمّا ذاك، وهنا لا ریب فی تنجیز
العلم الإجمالی ما لم ینحلّ.
-2 العلم الإجمالی المردّد بین الأقل والأکثر، کأن یشکّ المدین بین الألف والألفین. لکنّ هذا العلم منحلٌّ بل فی الحقیقۀ لا علم
إجمالی، بل هی قضیّۀ متیقّنۀ واخري مشکوکۀ، کما هو الحال فی التعارض بین الخبرین بدواً.
-3 العلم الإجمالی المردّد بین الأقل والأکثر من جهۀٍ وبین المتباینین من جهۀٍ اخري، کما لو علمنا بوجوب الإجتناب إمّا عن هذا الإناء
وإمّا عن إنائین، وقال المولی- فی نفس الوقت- بوجوب الإجتناب عن إناءِ زید، ففی هذه الصورة لابدّ من تعیّن إناء زید عن طریقٍ
من الطرق لوجوب الاجتناب عنه منجّزاً بعنوان إناء زید، ولا یکفی الإجتناب عنه من جهۀ کونه طرفاً للعلم الإجمالی المردّد بین الأقل
والأکثر، لأنّ هذا العلم ینحلّ بالإجتناب عن الأقلّ، وأمّا إناء زید فالتکلیف به منجَّز، ولابدّ من العثور علیه حتی یجتنب عنه.
وتطبیق هذا علی ما نحن فیه هو: إنا نعلم إجمالًا بوجود المخ ّ ص صات فی الکتب، فهی معنونۀ بعنوان الکون فی الکتب، ونعلم- من
جهۀٍ اخري- بوجود مخصّصات مرددة بین الأقل والأکثر لو عثر علی المقدار الأقل منها انحلّ العلم…
إلّا أنّ العثور علی الأقل لا یوجب انحلال العلم الإجمالی بوجود المخصّصات بعنوان ما فی الکتب.
الإشکال علیه … ص: 319
أیضاً مردّد بین الأقل والأکثر، ومع العثور علی الأقل « ما فی الکتب » ویرد علیه أوّلًا: عدم انطباق ما ذکره علی ما نحن فیه، لأن عنوان
تجري البراءة عن الأکثر والإنحلال حاصل.
ص: 320
وثانیاً: إن ما ذکره لا یتمّ علی مسلکه- تبعاً للشیخ- فی أساس تنجیز العلم الإجمالی، وهو المختار عندنا أیضاً، وهو القول بالاقتضاء-
فی مقابل مسلک المحقق العراقی، وهو القول بالعلیّۀ- وحاصله: رجوع التنجّز إلی تعارض الاصول فی الأطراف وتساقطها، ففیما نحن
فیه، لمّا عثرنا علی الإناء النجس- وإنْ لم یکن بعنوان إناء زید- وجب الإجتناب عنه، وکان الأصل- الطهارة مثلًا- جاریاً فی الطرف
بلا معارض، فلا یبقی تنجیز…
وعلی الجملۀ، فإنّ مقتضی القول بالاقتضاء مع عدم جریان الأصل فی طرفٍ للعلم بنجاسته مثلًا هو جریانه فی غیره، سواءً کان ذو
العنوان مردّداً بین الأقل والأکثر مثل عنوان ما فی الکتب أو لم یکن مردّداً بینهما مثل عنوان إناء زید، وبذلک ینحلّ العلم الإجمالی.
نعم، إنما یتم ما ذکره علی مسلک العلیّۀ.
وثالثاً: إن مانعیّۀ العلم الإجمالی فرع لتمامیّۀ المقتضی للتمسّک بأصالۀ العموم، لکنّ الحق- تبعاً للمحقق الخراسانی- أنّ عمومات
الکتاب والسنّۀ فی معرض التخصیص، فلیست بمجري لأصالۀ العموم.
ورابعاً: إنّ البحث فی حکم التمسّک بالعام قبل الفحص عن المخ ّ صص جارٍ سواء کان حکم الخاص إلزامیّاً أو ترخیصیّاً، فالبحث أعمّ
من مورد العلم الإجمالی وتنجّزه لوجوب الإحتیاط.
. الدلیل العقلائی … ص: 320
ما حاصله: إنّ أصالۀ العموم أصلٌ عقلائی، وملاکه هو أصالۀ التطابق بین الإرادة الاستعمالیۀ والجدیۀ، ولکنّ «1» ( قال فی (الکفایۀ
العقلاء إنما یتمسّکون بهذا الأصل حیث لا یکون العام فی معرض التخصیص، لکنّ عمومات الکتاب والسنّۀ
__________________________________________________
صفحۀ 193 من 265
. 1) کفایۀ الاصول: 226 )
ص: 321
فی معرض التخصیص، فلا تطابق عند العقلاء بین الإرادتین فیها.
وعلی هذا، فلا مقتضی لأصالۀ العموم ولا موضوع لدلیل الحجیّۀ، بل لابدّ من الفحص عن المخصص حتی یتحقق موضوع أصالۀ
التطابق.
وقال شیخنا بتمامیۀ هذا الوجه صدراً وذیلًا. «… 1» وقد وافقه المحقق العراقی
(ثمّ قال): ولو شکّ فی تمسّک العقلاء بمثل هذه العمومات التی هی فی معرض التخصیص، کفی الشکُّ فی عدم الجواز.
ثم ذکر الإجماع علی عدم جواز التمسّک بالعام من باب التأیید، من جهۀ أنه یوجب الشکّ فی قیام السّیرة العقلائیۀ علی الأخذ به قبل
الفحص، لأنّ الفقهاء والاصولیین هم القدر المتیقّن من العقلاء، فسواء کان مستند الإجماع هو العلم الإجمالی کما تقدم فی الوجه
السابق أو کون العمومات فی معرض التخصیص کما فی هذا الوجه، فإنّه یُوجد الشک فی السّیرة، وهو کاف لعدم جواز التمسّک فی
هذه الحالۀ.
وبما ذکرنا یظهر: ما فی إیراد السیّد الحکیم من دعوي قیام السیرة مع الظنّ بالتخصیص علی الأخذ بالعام … وکأن منشأ السهو فی
کلامه هو الخلط بین المقام ومسألۀ حجیۀ الظواهر، حیث یبحث هناك عن حجیۀ الظواهر مع الظن بالخلاف، وأنه هل الظن بالخلاف
مانع عن الظهور وحجیته أو لا؟ وقد تقرر هناك أن حجیّۀ الظاهر غیر مشروطۀ، لا بکون الظن موافقاً ولا بعدم کونه مخالفاً، لأنّ بناء
العقلاء فی مقام العبودیّۀ والمولویّۀ هو التنجیز والتعذیر، فیأخذون بالظاهر لکونه حجّ ۀً ویؤاخذون به حتی مع الظن بالخلاف…
بخلاف مسألتنا هذه، فإن العام الذي هو
__________________________________________________
.529 (2 - 1) نهایۀ الأفکار ( 1 )
ص: 322
فی معرض التخصیص لا یجوز الإحتجاج به عقلاءً، وهذا مقصود المحقق الخراسانی، فلا یرد علیه الإشکال.
وبما ذکرنا یظهر أیضاً: ما فی کلامه من أنّ عمل العقلاء مبنی علی أساس العلم الإجمالی وهو ملاك وجوب الفحص … لأنّ ذلک
یرجع إلی مرحلۀ المانع، وکلام (الکفایۀ) فی أصل المقتضی.
کما لا یرد علیه أن الإجماع المذکور یحتمل استناده إلی العلم الإجمالی.
ففیه: ما أشرنا إلیه من أنّ صاحب (الکفایۀ) یقصد بیان کیفیۀ وقوع الشک فی السیرة.
. الوجه النقلی … ص: 322
اشارة
«3» « أفلا تعلّمت » بکفایۀ إطلاق أخبار وجوب التعلّم، وأنه یقال للمکلّف یوم القیامۀ «2» وتبعه السید الخوئی «1» قال المحقق العراقی
لعدم جواز التمسّک بالعام ووجوب الفحص عن المخصص، فإنّ إطلاقها یعمُّ المورد.
أشکل الُأستاذ … ص: 322
بأنّ تلک الأخبار إنما یتمسّک بها فی الشبهات الحکمیۀ قبل الفحص، لا لعدم حجیّۀ العام قبل الفحص، والاستدلال بها لما نحن فیه
صفحۀ 194 من 265
مستلزم للدور. لأن الخطاب المذکور إنما یتوجّه إلی من لا حجّ ۀ لدیه، فموضوعه عدم الحجّ ۀ، فکیف یکون حجّ ۀً علی وجوب
الفحص عن المخصص وعدم حجیۀ العام قبله؟
هذا تمام الکلام فی الجهۀ الاولی.
__________________________________________________
(1)
.530 (2 - نهایۀ الأفکار ( 1
.427 / 360 ، محاضرات فی اصول الفقه 4 / 2) أجود التقریرات 2 )
.178 / 3) بحار الأنوار 1 )
ص: 323
w: . الثانیۀ (فی أثر الفحص فی الموارد المختلفۀ والفرق بینها …) 323
اشارة
تارةً: الموضوع غیر مشکوك فیه، وإنما الفحص یکون عمّا ینافی المحمول له، کأنْ یکون خبر الثقۀ حجۀ، ثم یفحص عمّا إذا کان له
معارض، فهذا فحصٌ فی موارد التعارض. واخري: لا یتحقق الموضوع إلّابعد الفحص، وهذا فی الاصول العقلیۀ، کقاعدة قبح العقاب
بلا بیان، إذ الموضوع فیها- وهو عدم البیان- لا یتحقق إلّا بالفحص.
وقد وقع الکلام بینهم فی أثر الفحص فی موارد العام والخاص والمطلق والمقید، والفرق بینهما وبین موارد الاصول العملیۀ الشّرعیۀ.
فقد قال فی (الکفایۀ): بأنْ الفحص عن المخصص- مثلًا- فحصٌ عن مزاحم الحجّۀ وهو العام، أمّا فی الاصول الشرعیّۀ، فهو فحص عن
مطلق، یعمّ حالی قبل «2» « رفع ما لا یعلمون » ودلیل البراءة مثل «1» « لا تنقض الیقین بالشک » أصل الحجیّۀ، لأنّ دلیل الاستصحاب مثل
الفحص وبعده؛ لکنّ الإطلاق فیهما مقیّد بالإجماع بما بعد الفحص، فکان الموضوع غیر محقَّق قبله، فیکون الفحص عن أصل الحجّۀ.
ثم أمر بالفهم.
.« هلّا تعلَّمت » ولعلّه إشارة إلی أنْ الإجماع المذکور مدرکی، والمدرك إمّا العلم الإجمالی الذي ذکره الشیخ أو الروایات مثل
تحقیق الُأستاذ … ص: 323
إنّ حجیّۀ کلّ خبرٍ- کما هو معلومٌ- متوقفۀ علی تمامیۀ ثلاث جهات هی جهۀ السند والدلالۀ والصدور. ولابدّ للتمامیۀ من الفحص وإلّا
فلا حجیّۀ…
__________________________________________________
(1)
. 245 ، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، رقم: 1 / وسائل الشیعۀ 1
. 369 ، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، رقم: 1 / 2) وسائل الشیعۀ 15 )
ص: 324
والفحص فیها راجع إلی أصل الإقتضاء للحجیّۀ، وبعد الفراغ عن ذلک تصل النوبۀ إلی البحث عن المزاحم.
وأمّا فی الاصول العملیّۀ الشرعیّۀ، فإنّ مبنی ما ذکره صاحب (الکفایۀ) هو إطلاق دلیل الأصل الذي قال بتقیّده بالإجماع، إلّاأنه قد
صفحۀ 195 من 265
تقدّم أنّ المستند لحجیّۀ العامّ هو بناء العقلاء، وبناؤهم علی حجّیته محدودٌ- من أوّل الأمر- بما بعد الفحص عن المخ ّ صص، فیرجع
الأمر إلی أصل الحجیّۀ، ولا یبقی فرق بین مورد العمومات والاصول.
نعم، لو کان المستند لحجیّۀ العام هو العلم الإجمالی، فالحجیّۀ تامۀ والعلم الإجمالی مزاحم لها، إلّاأنه ذهب إلی ما ذکرناه من أن
المستند هو بناء العقلاء…
والحاصل: عدم تمامیّۀ تفریقه بین العمومات والاصول.
هَلْ یَسْتَوِي الَّذینَ یَعْلَمُونَ » (قال): والتحقیق هو منع الإطلاق فی أدلّۀ الاصول الشرعیّۀ، من جهۀ مسلک الشارع بالنظر إلی الآیات مثل
«1» « وَالَّذینَ لا یَعْلَمُونَ
- « رفع ما لا یعلمون » فمسلکه طلب العلم والخروج عن الجهل، فلو کان دلیل الأصل- مثل «2» « طلب العلم فریضۀ » والأحادیث مثل
مطلقاً، لزم أن یکون الشارع مشجّعاً علی الجهل. فبهذه القرینۀ نرفع الید عن الإطلاق فی أدلّۀ الاصول الشرعیّۀ.
أمّا فی العمومات، فإنّ الأصل الأوّلی هو التطابق بین مقامی الثبوت والإثبات وکون الإرادة الجدّیۀ علی طبق الإرادة الاستعمالیۀ،
ومقتضی ذلک هو اقتضاء الحجیّۀ فی العمومات، لکنّ هذا الاقتضاء لیس علی إطلاقه، بل السیرة
__________________________________________________
. 1) سورة الزمر: الآیۀ 9 )
. 25 ، الباب 4 من أبواب صفات القاضی، رقم: 15 / 2) وسائل الشیعۀ 27 )
ص: 325
العقلائیۀ فی حجیّۀ العام قائمۀٌ علی تمامیّۀ العموم بعد الفحص، فلذا یکون الفحص فحصاً عن المزاحم.
وعلی الجملۀ، فإنّه بعد تمامیّۀ جهات الحجیّۀ فی العام صدوراً ودلالۀً وجهۀً، یکون المخ ّ صص المنفصل مزاحماً للحجیّۀ، والفحص عنه
فحصٌ عن المزاحم، لأنّ السّیرة العقلائیّۀ التی تستند إلیها حجیّۀ العام إنّما هی بعد الفحص عن المخصص…
فالأُستاذ موافق للکفایۀ فی المدّعی وما ذکرناه هو الوجه الصحیح عنده للفرق بین العمومات- والإطلاقات- وبین الاصول العملیۀ
الشرعیّۀ.
. الثالثۀ (فی مقدار الفحص …) ص: 325
وهنا وجوه: لزوم الفحص حتی العلم بعدم المخصص. أو لزوم الفحص حتی الاطمینان بعدمه. أو کفایۀ حصول الظنّ بعدمه.
أمّا الأوّل، فغیر ممکن، لبقاء الاحتمال العقلی حتی بعد الفحص التام.
وأمّا الثالث، فمردود بعمومات النهی عن اتّباع الظن.
فیتعیّن الثانی، بدلیل السیرة العقلائیۀ…
وهذا هو الصحیح کبرویّاً.
إنما الکلام فی الصغري، فإنّ الإطمینان بعدم المخصّص مع ضیاع کثیرٍ من الکتب والروایات کیف یحصل؟
ص: 326
هل تعمُّ الخطابات غیر المشافهین …؟ ص: 326
کلام الکفایۀ … ص: 326
صفحۀ 196 من 265
اشارة
ذکر المحقق الخراسانی أنه تارةً: یبحث عن أصل تکلیف الغائب والمعدوم، واخري: عن المخاطبۀ معهما، وثالثۀ: عن عموم أدواة
الخطاب لهما.
والبحث من الجهتین الاولی والثانیۀ عقلی، ومن الجهۀ الثالثۀ لغوي.
أمّا فی الجهۀ الاولی … ص: 326
فإنْ کان التکلیف مقیّداً بالوجود، فهذا خارج عن البحث، لأن توجیه التکلیف إلی الموجودین- سواء کان بعثاً أو زجراً- لا مانع عنه
ولا إشکال فیه، إنّما الکلام فی التکلیف المطلق.
وفی التکلیف المطلق تارةً: یکون الطلب إنشائیاً، وهذا أیضاً لا مانع عنه، إذْ لا إشکال فی صحّۀ تکلیف المعدوم بالطلب الإنشائی،
لکون الإنشاء خفیف المؤنۀ ولیس مقیّداً بالوجود، وفائدة مثل هذا الطلب هو فعلیّته فی ظرفه، فلا یکون محتاجاً حینذاك إلی إنشاءٍ
جدید، کإنشاء الوقف بالنسبۀ إلی البطون الآتیۀ، لأنّه یعتبر الملکیّۀ للبطون، والملکیۀ الاعتباریۀ تشمل المعدوم کشمولها للموجود،
فالبطن اللّاحق- المعدوم فعلًا- یتلقّی الملک من الموجود قبله ولا إشکال فیه. فظهر إمکان مثل هذا الطلب وأنْ له فائدة الإستغناء عن
الإنشاء عند وجود المعدوم. واخري: هو البعث والزجر، والمعدوم غیر قابل للإنزجار والإنبعاث.
ص: 327
وأمّا فی الجهۀ الثانیۀ … ص: 327
فإنّ الخطاب علی قسمین، فإنْ کان حقیقیّاً، فإنّ خطاب المعدوم علی نحو الحقیقۀ غیر معقول، إذ یحتاج إلی المخاطب الحاضر
الملتفت. وإنْ کان خطاباً إیقاعیّاً فهذا ممکن بالنسبۀ إلی المعدوم، لأنه مجرّد الإنشاء ولیس شیء آخر وراءه، ولذا قد یخاطب
الجمادات بشیء کما لا یخفی.
وأمّا فی الجهۀ الثالثۀ … ص: 327
اشارة
فالمهمُّ هو التحقیق عن وضع أدواة الخطاب، لأنّها إنْ کانت موضوعۀً للخطاب الحقیقی، کانت الخطابات الشرعیۀ مختصّۀً بالحاضرین،
فلا تشمل الغائبین فضلًا عن المعدومین، وإن کانت موضوعۀً للخطاب الإنشائی شملت المعدومین والغائبین کالحاضرین المشافهین.
فی هذه الجهۀ إلی أنّ الموضوع له الأدواة هو الخطاب الإنشائی، فتعمّ الغائب والمعدوم، بدلیل «1» ( وقد ذهب صاحب (الکفایۀ
استعمالها فی خطاب المعدوم بل غیر العاقل بلا أیّۀ عنایۀٍ، (قال): ولا یتوهّم وجود العنایۀ، لأنّه لو کان هناك علاقۀ وعنایۀ لعلم بها
المتکلّم، لأن الخطاب فعلٌ من أفعاله ولا یعقل عدم التفاته إلی العنایۀ، فهو یخاطب الدار والجدار والکواکب والأشجار مثلًا بنفس
التی یستعملها مع ذوي العقول … فهذا برهان علی عموم الوضع … نعم، المنصرف إلیه هذه الأدواة مع عدم القرینۀ هو « یا » کلمۀ
الخطاب الحقیقی … وعلی الجملۀ، فإنّ جمیع الخطابات الموجودة فی الکتاب والسنّۀ محمولۀ علی الخطاب الإیقاعی الإنشائی،
لوجود القرائن، فهی عامّۀ للحاضرین والغائبین والمعدومین.
__________________________________________________
(1)
صفحۀ 197 من 265
.230 - کفایۀ الاصول: 229
ص: 328
إشکال العراقی وجوابه … ص: 328
من أنّ الإنصراف الذي ذکره صاحب (الکفایۀ) فی الجهۀ الثالثۀ یزاحم «1» وبما ذکرنا ظهر الجواب عمّا أشکل به المحقق العراقی
ظهور الأدواة فی الخطاب الإنشائی، فلا تحصل النتیجۀ المقصودة من البحث وهو عموم خطاب الکتاب والسنّۀ.
وذلک لأن صاحب (الکفایۀ) أفاد بوجود قرائن مع خطابات الکتاب والسنّۀ توجب الیقین بعدم اختصاصها بالحاضرین، فلا مزاحم
للظهور، وإنّما یکون الإنصراف إلی الخطاب الحقیقی حیث لا قرینۀ قطعیّۀ.
إشکال البروجردي وجوابه … ص: 328
وتعلّق الطلب « لا شیء » علی الجهۀ الثانیۀ بعدم إمکان توجّه الطلب إلی المعدوم، لأنه فی ظرف العدم «2» وأشکل السید البروجردي
حتی یعمّهم. « ناسٌ » لا یوجد « یا أیها الناس » غیر معقول … ففی ظرف خطاب « لا شیء » ب
فالصحیح هو أنْ متعلّق الطلب دائماً یکون مفروض الوجود، وأنْ الخطابات الشرعیۀ کلّها بنحو القضیّۀ الحقیقیۀ.
وقد أجاب شیخنا عن الإشکال بالنقض بمثل الإجارة، حیث أنّ المنفعۀ فی حین الإجارة معدومۀ، فلا یملکها المستأجر، وفی ظرف
وجودها تکون متصرّمۀ الوجود، فلا تصلح للإجارة، فلابدّ من القول ببطلان کتاب الإجارة.
فإن قیل: الإجارة تسلیط المستأجر علی العین لاستیفاء المنافع، فلا نقض.
قلنا: فما تقولون فی تملیک الانتفاع فی کتاب العاریۀ؟ علی أنّه فی الإجارة
__________________________________________________
.533 (2 - 1) نهایۀ الأفکار ( 1 )
. 2) نهایۀ الاصول: 315 )
ص: 329
تدخل المنافع تحت الملک، ویشهد بذلک قاعدة الضمان، إذ الید علی العین یدٌ علی منافعها، وأنتم تقولون بأن المنافع المعدومۀ لا
تقبل الملکیّۀ.
یقبل الاعتبار إذا کان له مصحّحٌ یخرجه عن اللّغویۀ، ولا یلزم « لا شیء » إلّاأن « لا شیء » وأمّا حلّاً، فصحیح أنّ المعدوم فی حال العدم
وجود العنوان فی القضایا الاعتباریّۀ، ویشهد بذلک تعلّق الاعتبار حتی بالمحالات، کاعتبار الجمع بین النقیضین، وهذا مراد صاحب
(الکفایۀ) من قوله: إن الاعتبار خفیف المؤنۀ…
ونحو ذلک، وفائدة ذلک عدم « المؤمنون » أو « الناس » وفیما نحن فیه: المصحّح للاعتبار هو القابلیّۀ للوجود، لیکون مصداقاً لعنوان
الحاجۀ إلی الإنشاء الجدید لمّا یوجد فیما بعد، کما ذکرنا سابقاً.
إشکال الإصفهانی وجوابه … ص: 329
علی ما ذکره صاحب (الکفایۀ) فی الجهۀ الاولی- من استحالۀ التکلیف بمعنی البعث الفعلی بالنسبۀ «1» وأشکل المحقق الإصفهانی
إلی المعدوم، وأمّا الطلب الإنشائی منه فمعقول- بأنّه یناقض ما ذهب إلیه من إمکان الواجب المعلّق، حیث أنّ الإرادة والطلب والبعث
صفحۀ 198 من 265
فعلی، والمراد والمطلوب المبعوث إلیه استقبالی ومعدوم، فإذا کان تکلیف المعدوم- والمراد منه العمل- محالًا، فکذلک یکون البعث
نحو العمل المعدوم محالًا ولا یعقل الواجب المعلَّق، وإنْ جاز تعلّق البعث بالفعل المراد المعدوم فعلًا، فلیجز تعلّقه بالمکلّف المعدوم
فعلًا کذلک، لعدم الفرق…
__________________________________________________
(1)
.470 / نهایۀ الدرایۀ 2
ص: 330
والجواب
فأجاب الأُستاذ: بأنْ مقتضی الدقّۀ فی کلام (الکفایۀ) فی بحث الواجب المعلّق هو ورود الإشکال علیه بالنظر إلی احدي بیاناته فقط،
وذلک أنّه قد قرَّب قوله بإمکان الواجب المعلَّق تارةً: بأنّ الإرادة محقّقۀٌ الآن والمراد معدوم، وأثر هذه الإرادة هو الإنبعاث نحو
مقدّمات المراد. فعلی هذا البیان لا یرد الإشکال، لخروج هذه الإرادة عن اللّغویّۀ بتأثیرها بالنسبۀ إلی مقدّمات متعلّق الإرادة.
واخري: إنّ البعث دائماً مقدَّم علی الإنبعاث، فلو لا وجود البعث حتی یتصوَّره المکلّف ویصدّق به، لا یتحقق الانبعاث منه، وإذا ثبت
هذا التقدّم، فإنّه لا یفرَّق فی القضیّۀ العقلیۀ بین قصر الزمان وطوله للبعث والانبعاث، وهذا المعنی إنّما یصدق فی المراد المعدوم
کالحج، دون المراد منه المعدوم وهو المکلّف. فظهر الفرق بین ما نحن فیه ومسألۀ الواجب المعلّق.
فعلی هذین البیانین لا مجال للإشکال المزبور.
نعم، یرد بالنظر إلی ظاهر بیانٍ ثالث له وهو: إنّ المراد من الإرادة هو الشوق البالغ حدّ النصاب وإنْ لم تکن هناك محرکیّۀ للعبد، فلا
تکون المحرکیّۀ الفعلیۀ معتبرة. فیرد علیه النقض من الإصفهانی: بأنّ هذه المرتبۀ من الشوق کما یمکن تعلّقها بالموجود الاستقبالی فی
الواجب المعلَّق، کذلک یمکن تعلّقها بالمکلّف الذي یوجد فی المستقبل. فکما یتعلّق بالمراد المعدوم کذلک یتعلّق بالمراد منه
المعدوم.
ومع ذلک یمکن دفع الإشکال: بأنّ البعث عند صاحب (الکفایۀ) إنما هو لإحداث الداعی للامتثال، وإحداث الدّاعی بالنسبۀ إلی فعلٍ
معدوم فعلًا معقول، بخلاف إحداثه فی نفس الشخص المعدوم فعلًا.
ص: 331
وتلخّص: تمامیّۀ الوجه المذکور فی (الکفایۀ) لشمول الخطابات لغیر المشافهین.
. وجوه اخري … ص: 331
اشارة
وقد تذکر للتعمیم وجوه اخري:
منها: التمسّک بقاعدة الإشتراك، فإنه حتّی لو کانت أدواة الخطاب موضوعۀ للخطاب الحقیقی، فإنّ مقتضی هذه القاعدة هو اشتراك
المعدومین مع المشافهین فی الخطابات.
لکن فیه: إنّ هذه القاعدة إنما تفید لإلغاء الخصوصیّات الذاتیّۀ، کاحتمال دخل خصوصیّۀ زید أو عمرو فی الحکم، أمّا احتمال دخل
خصوصیّۀ کون المکلَّف حاضراً فلا یندفع بها.
وهو فی مقام التشریع « الناس » اللهم إلّاأن یتمسّک بالقرائن الموجودة فی نفس الخطابات، ففی الکتاب المجید قد توجّه الخطاب إلی
صفحۀ 199 من 265
والتقنین، ففی مثل ذلک یتلقّی المستمع الخطابَ من باب کونه بعض المصادیق لهذا العنوان، فهو بمقتضی ارتکازه یلغی خصوصیۀ
الحضور، وفی مثل ذلک- حیث یُقدم العقلاء علی إلغاء الخصوصیۀ- لو کان للحضور دخل لکان علی المولی البیان الزائد، وإلّا یلزم
نقض الغرض.
وأمّا النقض بصلاة العیدین والجمعۀ ونحو ذلک، ففیه: أنّ هناك قرائن وجهات زائدة توجب احتمال مدخلیۀ الحضور، ففی الجمعۀ-
مثلًا- نصوص تدلُّ علی أنها لا تنعقد إلّابالإمام فاشترطت حضوره … وهکذا فی صلاة العید وإجراء الحدّ … فلا یرد النقض.
ص: 332
«2» « یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا » فی « المؤمن » من التمسّک بعموم العنوان مثل «1» ومنها: ما ذکره المحقق العراقی
وبذلک یثبت إطلاق الحکم.
تفصیل المیرزا … ص: 332
أمّا فی الاولی فقال: بأنّ مقتضی ظهور الخطاب هو التخصیص بالمشافهین، لأنّ .«3» وفصّل المیرزا بین القضیۀ الخارجیّۀ والحقیقیۀ
الموضوع فیها محقَّق الوجود فی أحد الأزمنۀ الثلاثۀ، وهذا قوام القضیۀ الخارجیۀ- لا فرض کونه موجوداً- فیکون الخطاب ظاهراً فی
الحقیقیّۀ ویحتاج إلی المخاطب الحاضر الموجود. وأمّا الثانیۀ: فإنّها متقوّمۀ بفرض وجود الموضوع، وعلیه، فإنّ ملاك الخطاب
الإنشائی- وهو کون المخاطب مفروض الوجود- موجود فی هذا القسم من القضایا ویعمُّ الحاضرین والغائبین والمعدومین.
إشکال المحقق الإصفهانی وجوابه … ص: 332
وتبعه السید الخوئی- بأن ما هو المقوّم للقضیۀ الحقیقیۀ هو فرض الوجود لا فرض الحضور، - «4» وأشکل علیه المحقق الإصفهانی
والمقوّم للخطاب فرض الوجود والحضور کلیهما، فلو فقد أحدهما لم یصح الخطاب، فإن کان موجوداً وحاضراً فالخطاب حقیقی،
وإنْ کان مفروض الوجود والحضور، فالخطاب إنشائی.
قال الُأستاذ … ص: 332
__________________________________________________
.535 (2 - 1) نهایۀ الأفکار ( 1 )
. 2) سورة المائدة: الآیۀ 6 )
.367 / 3) أجود التقریرات 2 )
.472 / 4) نهایۀ الدرایۀ 4 )
ص: 333
یمکن تقریب کلام المیرزا بحیث یندفع الإشکال بأنْ یقال: إن محلّ النزاع عبارة عن أنَّ الخطابات الشرعیۀ تخصُّ المشافهین أو تعمّهم
والمعدومین، فإن کانت القضیۀ خارجیّۀ، فإنّ المقتضی للاختصاص بالمشافهین موجود ولا مانع عنه، لأنّ ظهور الخطاب هو للمخاطب
الموجود الحاضر، وبهذا اللحاظ یکون الخطاب حقیقیّاً، إذ لا فرض وجودٍ فی القضیۀ الخارجیّۀ حتی یزاحم اقتضاء الخطاب…
أمّا إن کانت القضیۀ حقیقیّۀً، فالأمر بالعکس، بمعنی أن المقتضی للتعمیم موجود ولا مانع، لأنّ أدواة الخطاب ترد فی هذه القضیّۀ بلا
عنایۀٍ، وبذلک یتمُّ المقتضی للعموم، وهو کون المخاطب مفروض الوجود، وهذا قوام القضیّۀ الحقیقیّۀ، ثمّ إنه لا یوجد مانع عن هذا
صفحۀ 200 من 265
المقتضی، لأنّه لو کانت الأدواة مخرجۀً للموضوع عن فرض الوجود إلی الوجود الحقیقی، لانقلبت القضیّۀ الحقیقیّۀ خارجیۀً وهو
خلف، فکان فرض الوجود للموضوع- وهو المقوّم للقضیّۀ- کافیاً للتعمیم.
وبعبارة اخري: إنّ فرض الوجود مستلزمٌ لکون الموضوع أعمّ من المعدوم، لأن فرض الوجود فی الموجود لغو، وإذا کان أعمّ، زال
اقتضاء الأداة للخطاب الحقیقی لابتلائه بمانعٍ هو ذاتیٌ للقضیۀ الحقیقیۀ، ومع انعدام اقتضاء الخطاب کذلک، یکون المستعمل فیه الأداة
غیر الخطاب الحقیقی، وهو الخطاب الإنشائی الذي یشمل بذاته المعدوم کشموله للموجود، من غیر حاجۀٍ لتنزیل المعدوم بمنزلۀ
الموجود.
فالحق: ما ذهب إلیه صاحب (الکفایۀ) بضمیمۀ بیان المیرزا بالتقریب الذي ذکرناه.
ص: 334
. ثمرة البحث … ص: 334
اشارة
قالوا: وتظهر ثمرة هذا البحث فی حجیّۀ الخطاب، وفی انعقاد الإطلاق، فتعرضوا لثمرتین:
الثمرة الاولی … ص: 334
إنّه بناءً علی عموم الخطابات للمشافهین والغائبین والمعدومین، فلا ریب فی حجیّتها للجمیع، حتّی لو احتملنا وجود قرینۀٍ علی الخلاف
دفعناه بالظهور أو الأصل، لکون الخطاب عامّاً، والمفروض کون المقصود بالتفهیم أعم. وأمّا بناءً علی کونها مخت ّ ص ۀً بالمشافهین،
فکیف تکون حجۀً بالنّسبۀ إلی غیرهم؟ وهذه هی الثمرة.
لکنّ القول باختصاص الخطابات بالمشافهین موقوف علی أمرین:
أحدهما: أنْ تکون حجیّۀ الکلام مختصّۀً بهم، والآخر: أن یکونوا هم المقصودین بالتفهیم دون غیرهم، فإنْ ثبت هذان الأمران ترتبت
الثمرة علی البحث، لکن ثبوتهما أوّل الکلام.
أمّا بالنسبۀ إلی الأمر الأوّل، فلقد تقدّم أنّ أساس حجیّۀ الظهورات هو السیرة العقلائیۀ، ولا شک فی أنّها قائمۀ علی عدم اختصاص
الحجیّۀ بالحاضرین، ولذا یأخذون بالأقاریر والوصایا حتّی لو مرّت علیها السنّون الطوال.
وأمّا بالنسبۀ إلی الأمر الثانی، فعلی فرض تمامیّۀ الأمر الأوّل، فإنّه لا کلام فی أنّ خطابات الکتاب والسنّۀ عامّۀ للمشافهین وغیرهم، وأنّ
الکلّ مقصودون بالتفهیم…
وتلخّص: إن هذه الثمرة منتفیۀ، فسواء قلنا باختصاص الخطابات أو عمومها، فإنْ خطابات الکتاب والسنّۀ تعمُّ المشافهین والغائبین
والمعدومین، وحجیّتها بالنسبۀ إلی الجمیع علی السواء.
ص: 335
الثمرة الثانیۀ … ص: 335
إنه بناءً علی عموم الخطابات، یسقط احتمال دخل خصوصیّۀ الحضور، لأنّ المفروض کون الخطاب عامّاً، وأنّه لا یوجد فی الکلام قیدٌ
دالّ علی اعتبار الحضور، فیؤخذ بإطلاق الخطاب. وأمّا بناءً علی القول بالاختصاص بالمشافهین، فإنّ دفع الاحتمال المذکور یحتاج
صفحۀ 201 من 265
«1» « یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ یَوْمِ الْجُمُعَۀِ فَاسْعَوْا إِلی ذِکْرِ اللَّهِ » إلی دلیلٍ، ففی وجوب صلاة الجمعۀ بقوله تعالی
علی غیر الحاضرین، لابدّ من التمسّک بمثل قاعدة الاشتراك لیعمّ الخطاب غیر المشافهین، لکنّ القاعدة هنا غیر جاریۀ، لأنه دلیلها هو
الإجماع، وهو دلیل لبّی والقدر المتیقن منه الحجۀ وهو الخصوصیات الصنفیّۀ، فال ّ ص لاة الرباعیۀ مشترکۀ لکنْ فی صنف الحاضرین،
والثنائیۀ مشترکۀ لکنْ للمسافرین لا الأعم منهم والحاضرین، فلو ارید تعمیم الخطاب بقاعدة الإشتراك اعتبر إحراز الاتّحاد فی الصنف
مع الحاضرین، وهذا أوّل الکلام … وعلیه، فإنّ المرجع فی شمول الأحکام لغیر المشافهین بناءً علی القول بالاختصاص، بعد عدم
تمامیۀ قاعدة الإشتراك، هو الأصل. وهذه هی الثمرة.
وقد وافق الأُستاذ السیَّد الخوئی فی ثبوت هذه الثمرة، خلافاً لصاحب (الکفایۀ) وذلک: لأنّ الخصوصیّۀ المحتمل دخلها فی الحکم
تارةً ذاتیّۀ واخري عرضیۀ، فلو کان المشافَهون للخطاب متّصفین بالعدالۀ ونحوها من الصفات العرضیّۀ المفارقۀ، أمکن التمسّک
بإطلاق الخطاب لإلغاء الخصوصیّۀ فیعمُّ غیرهم، لأنّ العدالۀ من الأوصاف القابلۀ للزوال، فلو توجّه الخطاب للمشافهین وهم عدول ولم
یقیَّد بالعدالۀ أمکن التمسّک بإطلاقه، لأنّ المفروض إطلاقه وعدم
__________________________________________________
. 1) سورة الجمعۀ: الآیۀ 9 )
ص: 336
تقیّده بالعدالۀ، وأنَّ العدالۀ من الأوصاف المفارقۀ، فلو أراد المتکلّم الملتفت هذه الخصوصیۀ لقیَّد خطابه بها وإلّا لزم نقض الغرض،
وحینئذٍ تتحکّم قاعدة الاشتراك. وأمّا إن کانت الخصوصیۀ الموجودة فی المشافهین ذاتیّۀ ککونهم هاشمیین، فخاطبهم المولی
بخطابٍ ونحن نحتمل دخل هذه الخصوصیۀ فی غرضه، فإنّه وإنْ لم یقیِّد الخطاب لکن لا یمکن التمسّک بإطلاقه، لکون الخصوصیۀ
غیر مفارقۀ، وعدم تقییده الخطاب بها لا یستلزم نقض الغرض.
من قبیل الخصوصیات المفارقۀ والقابلۀ للزوال، فلو أراد المولی هذه الخصوصیّۀ کان علیه تقیید « الحضور » ومن الواضح أنّ خصوصیۀ
خطابه بها، وإذْ لم یقیّد أمکن التمسّک بإطلاقه، وإلّا لزم نقض الغرض.
فالثمرة مترتبۀ. لأنه بناءً علی القول بالعموم جاز التمسّک بالإطلاق، أمّا بناءً علی القول بالاختصاص بالمشافهین، توقّف العموم لغیرهم
علی تمامیۀ قاعدة الإشتراك، وهی إنما تتمُّ فی الأوصاف المفارقۀ، أمّا فی الأوصاف اللّازمۀ فلا، وهذه هی مورد ظهور ثمرة البحث.
أقول
ولا یخفی أنّ تمامیّۀ الإطلاق موقوفۀ علی عدم لزوم نقض الغرض، بأن یکون ذلک من مقدّمات الحکمۀ، وهذا ما یلزم إثباته فی
محلّه.
ص: 337
تعقّب العام بضمیر … ص: 337
اشارة
لو تعقّب العامّ ضمیر یرجع إلی بعض أفراده، فهل یبقی العام علی عمومه ویتصرَّف فی الضمیر ویلتزم فیه بالإستخدام، أو یتصرّف فی
العام ویلتزم بتخصیصه، أو یقال ببقاء العام علی عمومه تحفّظاً علی أصالۀ العموم، وأنّ الأصل فی الضمیر عدم الإستخدام، ویتعارض
الأصلان ویتساقطان ویرجع إلی الأصل العملی؟ وجوه أو أقوال.
المستفاد من کلام (الکفایۀ) فی أوّل البحث هو القول الأوّل، لکنْ فی (المحاضرات) نسبۀ القول الثالث إلی صاحب (الکفایۀ).
صفحۀ 202 من 265
والمختار عند المیرزا هو القول الأوّل.
واختار السید الخوئی- فی هامش الأجود و (المحاضرات)- الثانی.
والثالث هو المختار عند الأُستاذ.
وَالْمُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَۀَ قُرُوءٍ وَلا یَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ یَکْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فی أَرْحامِهِنَّ إِنْ کُنَّ یُؤْمِنَّ » : وقد مثّلوا للبحث قوله تعالی
«1» « بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ اْلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ
یعود بحسب أصالۀ « بعولتهنّ » أعمّ من الرجعیّۀ والبائنۀ، وظاهر الآیۀ عموم الحکم بالتربّص للقسمین، والضمیر فی « المطلقات » حیث أنّ
فیکون المراد منه نفس المراد من مرجعه وهو العموم، لکنّ الدلیل الخارجی قائم علی أنْ لیس ،« المطلّقات » عدم الإستخدام إلی
للزوج حق الرجوع إلّافی
__________________________________________________
. 1) سورة البقرة: الآیۀ 228 )
ص: 338
أو عن ،« الرجعیّات » خصوص « المطلقات » المطلقۀ الرجعیّۀ، فیدور الأمر فی الآیۀ بین أنْ نرفع الید عن أصالۀ العموم ویکون المراد من
أصالۀ عدم الإستخدام، فیکون الضمیر راجعاً إلی بعض المطلقات وهی الرجعیّات خاصۀ. أو لا هذا ولا ذاك، بل یبقی الأصلان علی
حالهما فیتعارضان ویتساقطان والمرجع هو الأصل العملی؟
دلیل القول الأول … ص: 338
هو أنّه لا مقتضی للتعارض فی المقام بین أصالۀ العموم وأصالۀ عدم الإستخدام، لتمامیّۀ أرکان أصالۀ العموم، فالمقتضی لجریان هذا
الأصل موجود، إذ اللّفظ ظاهر فی العموم بلا کلام، غیر أنّ المشکوك فیه هو أنّ هذا الظهور الإستعمالی هو المراد الجدّي أو لا؟
ومقتضی القاعدة هو التطابق بین الإرادتین…
إنّما الکلام فی وجود المانع عن هذا الإقتضاء، ومع العلم بأنّ حق الرجوع إنما هو فی الرجعیّۀ دون البائن، یسقط أصالۀ عدم الإستخدام
.« المطلَّقات » ویتعیَّن إرجاع الضمیر إلی بعض
وعلی الجملۀ، فإنّ موضوع أصالۀ العموم تام فی المقام، أمّا أصالۀ عدم الإستخدام فلا موضوع لها.
إن أصل عدم الإستخدام یجري بلحاظٍ آخر، أعنی لحاظ اللّازم، وهو أن نثبت به عدم وقوع التخصیص فی العام، فیجري :«1» لا یقال
الأصلان کلاهما، کما لو خرج الثوب مثلًا عن طرف الإبتلاء، فإن أصالۀ الطهارة غیر جاریۀ فیه، لکن تجري فیه بلحاظ الملاقی له
الذي هو مورد للإبتلاء حتی یترتب الأثر فی الملاقی.
__________________________________________________
(1)
هذا الإشکال طرحه المیرزا وأجاب عنه.
ص: 339
لأنّا نقول: هذا صحیح فی الاصول الشرعیّۀ، فنجاسۀ الملاقی من آثار الثوب شرعاً وإنْ خرج عن محلّ الابتلاء، لکنْ لمّا کان مثبتات
الاصول اللّفظیۀ حجۀ، فلا حاجۀ إلی ترتیب الأثر من ناحیۀ الشارع، لأنه بمجرّد جریان الأصل اللّفظی- لوجود المقتضی لجریانه-
یترتّب الأثر.
بأنه لا یوجد هنا احتمال التعارض بین الأصلین، لأن المشکوك فیه هو کیفیۀ استعمال الضمیر، وهو :«1» وأشکل السید البروجردي
صفحۀ 203 من 265
مسبّب عن الشک فی أصالۀ العموم، فإذا جري فی طرف المسبب، لم یبق موضوع للأصل السببی، فلا مجال لتوهم التعارض.
أجاب الأُستاذ: بأن المورد لیس من قبیل الشک السببی والمسببی، فإنّ أحد الشکّین هو فی کیفیۀ استعمال الضمیر والآخر فی ناحیۀ
فلیس الشک فی الضمیر مسبّباً عن الشک فی العام حتی ،« المطلقات » العام، والمنشأ لکلیهما هو العلم بإرادة خصوص الرجعیّات من
تجري قاعدة الشک السببی والمسببی.
هو: إنّ العام قد استعمل فی العموم وأصالۀ العموم فیه محکّمۀ، وکذا الضمیر، فإنّه «2» هذا، وقد قرّب السید القول الأول ببیانٍ آخر
یرجع إلی العام بلا کلام، إلّا أنّ المشکلۀ فی المراد الجدّي وتطابقه مع الإستعمالی، أمّا فی الضمیر، فلا ریب فی عدم التطابق، لعلمنا
بعدم إرادة جمیع المطلقات، بخلاف العام فإنّه لا وجه للشک فی التطابق فیه، فتجري أصالۀ العموم فیه، ولا تجري أصالۀ عدم
الإستخدام فی الضمیر، ولا تعارض.
وفیه: إنّ أساس هذا التقریب هو دعوي تمامیّۀ المقتضی لأصالۀ العموم،
__________________________________________________
. 1) نهایۀ الاصول: 323 )
. 2) نهایۀ الاصول: 323 )
ص: 340
وهی أوّل الکلام، لوجود الضمیر المقطوع بالمراد منه، فإنه بظهوره السیاقی یحتمل المانعیّۀ عن انعقاد الظهور للعامّ فی العموم، فتقوي
المعارضۀ بین الأصلین.
دلیل القول الثانی … ص: 340
اشارة
إلی جریان أصالۀ عدم الإستخدام ورفع الید عن أصالۀ العموم، وملخّص کلامه هو: أنا لا نجري أصالۀ عدم «1» وذهب السید الخوئی
الإستخدام من جهۀ الشکّ فی المراد من الضمیر، حتی یقال بأنه لا شک فی المراد منه فلا موضوع للأصل، بل نجریه من حیث أنّ
ظاهر فی العموم، وأنّ الظاهر « المطلقات » للکلام ظهورین لا یمکن التحفّظ علی کلیهما ولابدّ من رفع الید عن أحدهما، وذلک لأن
لکنّ أصالۀ عدم الاستخدام محفوفۀ بقرینۀٍ تقتضی تقدّمها علی أصالۀ ،« المطلقات » ومرجعه وهو « بعولتهن » هو الاتّحاد بین الضمیر فی
العموم، وتلک القرینۀ هی الإرتکاز العرفی فی أمثال المقام، فإنهم یقدّمون أصالۀ عدم الاستخدام ویرفعون الید عن أصالۀ العموم، بل
الأمر کذلک بنظرهم حتی فیما إذا دار الأمر بین رفع الید عن أصالۀ عدم الاستخدام ورفعها عن ظهور اللّفظ فی کون المراد منه هو
المعنی الحقیقی، فیرفع الید عن المعنی الحقیقی ویحمل اللّفظ علی معناه المجازي کما فی مثل: رأیت أسداً وضربته، فإنه یتعین حمله
علی إرادة المعنی المجازي وهو الرجل الشجاع إذا علم أنه المراد بالضمیر الراجع إلیه.
إشکال الُأستاذ … ص: 340
فقال الأُستاذ: صحیحٌ أنّ الموضوع لکلٍّ من أصالۀ العموم وأصالۀ عدم الإستخدام متحقّق یقتضی جریانه فی المقام، إلّاأن کلّاً من
الأصلین المذکورین
__________________________________________________
.446 / 1) محاضرات فی اصول الفقه 4 )
صفحۀ 204 من 265
ص: 341
تعلیقی ولیس بتنجیزي، لأن أصالۀ العموم معلقۀ ذاتاً علی عدم القرینۀ، وأصالۀ عدم الاستخدام- وهو الظهور السیاقیّ للکلام- معلّقۀ
علی عدم القرینۀ، فکما یمکن أن یکون الظهور السیاقی قرینۀ علی سقوط أصالۀ العموم، کذلک یمکن أن تکون أصالۀ العموم قرینۀ
علی سقوط الظهور السیاقی.
وأمّا دعوي قیام القرینۀ من جهۀ المرتکز العرفی لتقدم أصالۀ عدم الاستخدام، فعهدتها علی مدّعیها، بل إنّ طبع المطلب کون الظهور
السیاقی أضعف من الظهور اللّفظی الوضعی، نعم، قد یتقدّم الظهور السیاقی کما فی مثاله المذکور، لکنْ لیس الأمر کذلک فی جمیع
الموارد، بل المقدَّم هو ما ذکرناه، وفرقٌ بین الآیۀ والمثال، إذ لو جعل المراد فیه الحیوان المفترس لزم أجنبیۀ الضمیر، بخلاف الآیۀ،
فإنّ الضمیر راجع إلی حصّۀٍ من العام … فالأصلان فی الآیۀ متعارضان.
والحق سقوط کلیهما والرجوع إلی الأصل العملی.
ثم إنّه قد ذکروا أنْ الآیۀ المبارکۀ لیست بمثالٍ للمسألۀ، لأنّا نعلم بدلیلٍ من الخارج أنّ المراد من المطلّقات ح ّ ص ۀ منهنّ، فأصالۀ
فهی فیه تامّۀ. « المطلّقات » التطابق بین الإرادتین فی الضمیر ساقطۀ، بخلاف العام
قال الُأستاذ … ص: 342
إن صاحب (الکفایۀ) قد استدرك فی آخر کلامه ما لو صدق احتفاف الکلام بالقرینۀ، ففی هذه الصورة قال بسقوط الأصلین. وهذا
بالتالی تفصیل منه فی المسألۀ، ففی الآیۀ تتقدّم أصالۀ العموم من حیث أنّ الجملۀ المشتملۀ علی الضمیر لا تصلح للقرینیّۀ، لوجود
جملۀٍ بینهما فی الآیۀ المبارکۀ.
ص: 342
تعارض المفهوم

تعارض المفهوم مع العموم … ص: 342
اشارة
لو ورد عامٌ مثل أکرم العلماء، ثم وردت جملۀٌ شرطیۀ یعارض مفهومها ذلک العام، کما لو قال: أکرم العلماء إن کانوا عدولًا، ففیه
وجوه:
تقدیم العام علی المفهوم.
وتقدیم المفهوم علی العام.
والتعارض والتساقط والرجوع إلی الاصول العملیّۀ.
والتفصیل.
وقبل الورود فی الأدلّۀ نتعرّض لکلام المیرزا ودفع ما أورد علیه.
وإمّا موافق، .«1» « إذا کان الماء قدر کرٍّ لم ینجّسه شیء » : فقد ذکروا أن المفهوم إمّا مخالفٌ للمنطوق بالسلب والإیجاب کما فی الخبر
«2» « فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍ » وهو ما لم یکن بینهما تخالف کذلک مثل
. والموافق ینقسم إلی: الموافقۀ بالأولویۀ والموافقۀ بالمساواة، والاولی تارةً عرفیۀ واخري عقلیّۀ، والثانیۀ، تارةً:
تکون المساواة عن طریق تحصیل المناط القطعی للحکم، واخري: تکون لا عن الطریق المذکور مثل لا تشرب الخمر لإسکاره.
إن کان المفهوم موافقاً، فتارةً یقال: لا تشرب الخمر لأنه مسکر، واخري یقال: لا تشرب الخمر لإسکاره … وبین :«3» فقال المیرزا
صفحۀ 205 من 265
التعبیرین فرق، ففی
__________________________________________________
. 158 ، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، رقم: 1 / 1) وسائل الشیعۀ 1 )
. 2) سورة الإسراء: الآیۀ 23 )
.380 -379 / 3) أجود التقریرات 2 )
ص: 343
وفی الثانی: ،« المسکر » الأول، یکون مقتضی القاعدة تعمیم الحکم- وهو الحرمۀ- لکلّ مسکر، لأن الموضوع فی الکلام عبارة عن
مقتضی القاعدة تخصیص الحکم بالخمر، لاحتمال وجود الخصوصیّۀ فی إسکار الخمر دون غیره من المسکرات، لأن موضوع الحکم
هو خصوص الخمر.
علی هذا التفریق بما ملخّصه: إنه إذا قال: «1» وقد أشکل المحقق الإصفهانی
لا تشرب الخمر إذا أسکر، کان الإسکار شرطاً، ولیس لهذا الشرط أثر إلّاتتمیم قابلیّۀ الخمر لترتّب الحکم، ومع الشک فی تحقّق
القابلیّۀ لذلک لغیر الخمر، فمقتضی القاعدة تخصیص الحکم به دون غیره. وأما إذا قال: لا تشرب الخمر لإسکاره، فظاهر الکلام کون
الإسکار علّۀً غائیۀً، ومن المعلوم استحالۀ تخلّف المعلول عن العلّۀ، فیکون الحرمۀ معلولۀً للإسکار ویدور الحکم مداره أینما وجد، فلا
یختص الحرمۀ حینئذٍ بالخمر. وکذلک لو قال: لا تشرب الخمر لأنه مسکر … ولو کانت الإضافۀ توجب الخصوصیّۀ- فیما لو قال:
لإسکاره- فهی موجبۀ لها لو قال: لأنه مسکر، لکون المسکر والإسکار کلیهما مضافین إلی الخمر.
فی أنّ تمام الموضوع للحکم هو الإسکار ولا « لإسکاره » و « لأنه مسکر » وأضاف: بأنّ عدم الفرق بین «2» هذا، وقد تبعه السید الخوئی
موضوعیّۀ للخمر، هو المتفاهم عند أهل العرف، فمقتضی القاعدة هو التعمیم فی کلا الموردین.
دفاع الُأستاذ عن المیرزا … ص: 343
اشارة
إذ الإضافۀ موجودة فی کلیهما، لکنّها فی ،« لأنه مسکر » و « لإسکاره » وأجاب الأُستاذ عن إشکال المحقق الإصفهانی: بوجود الفرق بین
الثانی
__________________________________________________
479 . الهامش. -478 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
380 . الهامش. / 2) أجود التقریرات 2 )
ص: 344
ولا مقیّد له، وحینئذٍ یعم الحکم غیر « المسکر » تطبیقیّۀ حیث یُطَّبق فیه العنوان الکلّی علی الفرد، فکان الموضوع للحکم هو عنوان
علّۀً غائیۀ والتخلّف محال، لا ینافی موضوعیۀ الخمر، لأن الغایۀ عبارة « الإسکار » الخمر أیضاً. أمّا فی الأوّل، فالموضوع هو الخمر وکون
فکانت الإضافۀ مقیَّدة، ومقتضی أصالۀ التطابق بین الثبوت والإثبات أن یکون لإسکار الخمر خصوصیّۀ، ،« الإسکار » لا « إسکاره » عن
أللهم إلّاإذا قامت القرینۀ علی إلغائها، والمفروض انتفاؤها هنا، ومن الواضح أنّ هذه الخصوصیۀ توجد الضیق فی ناحیۀ العلّۀ وتحدّد
فإنه تطبیق لا تحدید. « لأنه مسکر » : المضاف بالمضاف إلیه، بخلاف قوله
فإنّ ظاهرها بل صریحها هو «… 1» « إن اللَّه لم یحرّم الخمر لاسمها » : وبما ذکرناه یظهر ما فی الاستدلال فی هامش الأجود بروایۀ
صفحۀ 206 من 265
الدلالۀ علی التعمیم، وکلامنا هو فیما لا توجد قرینۀ علی التخصیص أو التعمیم.
بل إنّ المتعارف عند العرف هو ما ذکرناه، فلو قیل: لا تجالس زیداً الجاهل لسوء خلقه، فإنّ هذا الکلام لا یدلّ علی المنع عندهم من
مجالسۀ عمرو العالم السیّء الخلق، لوجود احتمال أن سوء خلقه هو من جهۀ الجهل، فلا یسري الحکم إلی کلّ من ساء خُلُقه.
فظهر أن الحق مع المیرزا فی هذه المقدّمۀ، فلندخل فی صلب البحث:
. دلیل القول بتقدّم العام ونقده … ص: 344
وقد استدلّ لتقدّم العام علی المفهوم: بأنّ دلالۀ العام ذاتیۀ لکونها مطابقیۀ، ودلالۀ المفهوم هی بالعرض لکونها بالإلتزام، والدلالۀ
الإلتزامیۀ أضعف ولا تقبل المعارضۀ مع المدلول المطابقی.
__________________________________________________
(1)
. 343 ، الباب 19 من أبواب الأشربۀ المحرّمۀ، الرقم: 2 -342 / وسائل الشیعۀ 25
ص: 345
وفیه:
إنه لا تفاوت بین الدلالتین فی مقام الدلالۀ والموضوعیۀ، وکلاهما فی مرتبۀٍ واحدة فی الکشف عن المراد الجدّي والمراد الاستعمالی.
وبعبارة اخري: إن دلالۀ الکلام علی المفهوم مستندةٌ إمّا إلی الوضع وإمّا إلی مقدّمات الحکمۀ، وکذلک دلالۀ العام علی العموم، فهی
إمّا من جهۀ اللّفظ وإمّا من جهۀ مقدّمات الحکمۀ، فکلاهما فی مرتبۀ واحدة، فالتقدیم بما ذکر بلا وجه.
. دلیل القول بتقدّم المفهوم ونقده … ص: 345
اشارة
واستدلّ للقول بتقدم المفهوم: بأنّ التعارض الموجود هو بین العموم والمفهوم، وهنا مورد إعمال قواعد التعارض. هذا من جهۀٍ. ومن
جهۀٍ اخري:
فإنّ المنطوق والمفهوم متلازمان بالتلازم العقلی أو العرفی، وهما فی هذه الملازمۀ متساویان، ومع التلازم بینهما لا یعقل انفکاك
أحدهما عن الآخر، بل سقوط أحدهما یوجب سقوط الآخر.
وبعد ذلک: فإنّه مع تقدّم العموم وسقوط المفهوم، هل یبقی المنطوق علی حاله أو یسقط؟ أمّا بقاؤه بعد سقوط المفهوم، فیستلزم
الانفکاك، وأمّا سقوطه أیضاً فیستلزم إجراء أحکام التعارض فی غیر مورد التعارض، لأنّ المنطوق لم یکن طرفاً للمعارضۀ، بل طرفها
.«1» هو المفهوم، فهذا المحذور یوجب تقدیمه علی العموم
التحقیق … ص: 345
هو إنّ القول بأنّ عدم تقدّم المفهوم یستلزم إجراء قواعد التعارض فیما لیس طرفاً للمعارضۀ غیر تام، لاستحالۀ وقوع المفهوم طرفاً لها
وعدم وقوع
__________________________________________________
.383 / 1) أجود التقریرات 2 )
صفحۀ 207 من 265
ص: 346
المنطوق، بل المنطوق یکون کذلک وتجري قواعد التعارض. فلو قال: أکرم خدّام العلماء، دلَّ بالأولویۀ علی إکرام العلماء، فإنْ قال:
أکرم فسّاق خدّام العلماء، دلّ بالأولویّۀ علی وجوب إکرام العلماء الفساق. لکنّ العام یقول: لا تکرم الفسّاق، وله دلالتان أحدهما هو
النهی عن إکرام العالم الفاسق، والآخر النهی عن إکرام الخادم الفاسق الجاهل، فإنّه المدلول له بالأولویۀ. فکما کان للمفهوم حکمان
إثباتی وبالأولویّۀ، کذلک للعام، وعلیه، ففی جمیع الموارد یوجد التعارض بین العام من جهۀٍ والمفهوم والمنطوق من جهۀ اخري،
ویکون المرجع قواعد التعارض.
فإنْ کان المنطوق أخص، جرت قواعد العام والخاص، وإنْ کان أعمّ جرت قواعد العام من وجه.
وهنا، النسبۀ بین المنطوق والعموم عموم وخصوص من وجه، ومقتضی القاعدة تقدّم الخاص، لکونه أظهر من العام أو قرینۀً للعام، وإذا
تقدّم المنطوق تقدَّم المفهوم لکونه اللّازم المساوي له، وإلّا لزم التفکیک المحال کما تقدّم.
فالمفهوم مقدَّم علی العموم بهذا البرهان لا بما ذکر فإنه غیر صحیح.
وبعبارة اخري: إنّ تقدّم المنطوق علی العموم تنجیزي، وأمّا معارضۀ العموم للمفهوم، فهی معلَّقۀ علی عدم قرینیّۀ المنطوق للعموم أو
عدم أظهریته منه، ومن المعلوم أنْ لا تعارض بین التنجیزي والتعلیقی.
هذا، ولو فرض عدم القرینیۀ أو الأظهریۀ واستقر التعارض- والمفروض کون النسبۀ هی العموم والخصوص من وجه- فقولان:
أحدهما: الرجوع إلی المرجّحات کما فی المتباینین فإنْ فقدت فالتساقط أو التخییر، والآخر: التساقط أو التخییر، لکون الرجوع إلیها
خاصٌ بالمتباینین.
وهذا کلّه فی المفهوم الموافق.
ص: 347
فوقع التعارض بین العام وبین «2» « إذا کان الماء قدر کرٍّ لم ینجّسه شیء » : وقوله «1» « خلق اللَّه الماء طهوراً » : وأمّا المخالف، کقوله
المفهوم- والمفروض أنْ لا حکومۀ للمفهوم علی العموم وإلّا لتقدّم علیه، لکنّ مورد الحکومۀ خارج عن البحث- فههنا صورٌ ذکرها
:«3» المحقق العراقی
تارةً: العموم والمفهوم فی کلامٍ واحدٍ، واخري: یکونان فی کلامین، وعلی کلّ تقدیر: تارةً تکون الدلالۀ فی کلیهما بالوضع، واخري:
بالإطلاق، وثالثۀ: فی أحدهما بالوضع وفی الآخر بالإطلاق.
قال: إنْ کانا فی کلامٍ واحدٍ، فإنْ کانت الدلالۀ بالوضع، لم ینعقد ظهورٌ أصلًا، إذ لا موضوع لأصالۀ الظهور بل الکلام مجمل. وإنْ
کانت بالإطلاق، لم تتحقّق مقدّمات الحکمۀ فیهما، لأن منها عدم البیان، وکلّ واحدٍ منهما یصلح لرفع الموضوع فی الآخر، فلا
موضوع لأصالۀ الإطلاق.
وإنْ کانا فی کلامین، فإنْ کانت الدلالۀ بالوضع لم یتم محمول أصالۀ الظهور وإنْ تمّ الموضوع، لأنه وإنْ تمّ لهما الظهور الوضعی،
إلّاأنّه یسقط علی أثر المعارضۀ ویکونان مجملین حکماً، وإنْ کانت بالإطلاق، فإنّه وإنْ تحقّق موضوع أصالۀ الإطلاق لکنّ محمولها
وهو الحجیۀ غیر متحقّق.
وإنْ کانت الدلالۀ فی أحدهما بالوضع وفی الآخر بالإطلاق، فإنْ کانا فی کلامٍ واحدٍ، تقدّم ما کان بالوضع، لأنّ الظهور الوضعی یمنع
من انعقاد الإطلاق فی الطرف المقابل، لعدم کونه متوقّفاً علی شیء، بخلاف الإطلاق فمن مقدّماته عدم البیان، والظهور الوضعی بیان
فی الکلام المتصل. وإنْ کانا فی کلامین، بنی
__________________________________________________
. 135 ، الباب 1 من أبواب الماء المطلق، رقم: 9 / 1) وسائل الشیعۀ 1 )
صفحۀ 208 من 265
. 158 ، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، رقم: 1 / 2) وسائل الشیعۀ 1 )
.546 (2 - 3) نهایۀ الأفکار ( 1 )
ص: 348
علی المختار فی باب الإطلاق وأن تمامیّته موقوفۀ علی عدم البیان إلی الأبد أو فی مجلس الخطاب، فعلی الأول: لا یبقی ما کان
بالوضع مجالًا لانعقاد الإطلاق فی الطرف الآخر، وعلی الثانی- والمفروض هو الانفصال بین الکلامین- تتم مقدّمات الإطلاق ویقع
التعارض بین أصالۀ الظهور وأصالۀ الإطلاق والمرجع قواعد باب التعارض.
أورد علیه الُأستاذ … ص: 348
أوّلًا: إنّ الخاص- سواء کان ظهوره وضعیّاً أو إطلاقیّاً- مقدّم علی العام- وإنْ وقع الکلام فی وجه تقدّمه أنّه من باب الأظهریۀ أو
القرینیّۀ- فإنْ کانا فی کلامٍ واحدٍ سقط ظهور العام وإن کانا فی کلامین سقط حجیّۀ العام … وهذا ممّا لا خلاف فیه. وعلیه، فمفهوم
والظهور فی کلیهما إطلاقی، لکن المفهوم خاصٌ، فهو مقدّم لکونه قرینۀ. وإنْ کان « خلق اللَّه الماء طهوراً » مقدّم علی … « إذا بلغ »
ظهوره وضعیّاً فتقدّمه یکون بالأولویۀ، فلماذا جعل الخبرین مثالًا لهذا البحث؟
وثانیاً: إن ما ذکره من عدم استقرار الظهور فیما لو کانت الدلالۀ فیهما معاً بالوضع أو بالإطلاق أو کانا متّصلین، غیر صحیح، لأنه فی
حال کون ظهورهما وضعیّاً، فإنّ الثانی یمنع من انعقاد الظهور فی الأول، لکنّ الثانی لا ینعقد له ظهور أصلًا، لکونه مسبوقاً بالأول،
فالقول بعدم استقرار الظهور إنما یتمّ فی حال کونهما بالوضع وفی الثانی منهما خاصّ ۀً. أمّا إذا کان ظهورهما بالإطلاق فلا ینعقد فی
أحدهما أصلًا ولا یصحّ التعبیر بعدم الاستقرار، لوضوح صلاحیۀ کلٍّ منهما لأن یکون بیاناً للآخر، فلا تتم مقدّمات الحکمۀ فی شیء
منهما.
وثالثاً: إنّ الکلام فی أصل کون الظهور الوضعی بیاناً، فیمتنع انعقاد
ص: 349
فیما لو وقع «1» ( الإطلاق فی الطرف الآخر، وهذا ما ذکره المحقق العراقی هنا، والمحقق الخراسانی فی بحث التعارض من (الکفایۀ
العام والمطلق فی کلامٍ واحد … والأصل فیه هو الشیخ الأعظم قدس سره، من جهۀ أنّ الظهور الوضعی تنجیزي والإطلاقی تعلیقی ولا
یکون بینهما التمانع بل الأول یتقدّم.
وبعبارة اخري: الظهور الوضعی ذو اقتضاء بخلاف الإطلاقی، وما لا اقتضاء له یستحیل أن یعارض الاقتضاء.
(قال) ولنا فی ذلک نظر نقضاً وحلّاً.
أمّا نقضاً، فقد ذکروا أنّ العام لو حفّ بمجملٍ سري الإجمال إلیه وسقط عن الظهور، کما لو قال: أکرم العلماء إلّاالفساق منهم، وتردد
الفسق بین الکبیرة والصغیرة … فکیف أثّر ما لا اقتضاء له فیما له الاقتضاء؟
وأمّا حلّاً، فإنْ کلّ ظهور وضعی فهو معلَّق علی أنْ لا یکون محفوفاً بقرینۀٍ أو بما یصلح للقرینیۀ أو بمجملٍ، وهذا هو السرُّ فی سرایۀ
الإجمال فی المثال المتقدّم، لأنّ المجمل- وإنْ کان لا إقتضاء- یصلح لإسقاط الظهور الوضعی، ولذا لو احتفّ العام بمطلقٍ لا ینعقد
للکلام ظهور، والدلیل علی ما ذکرناه هو السیرة العقلائیۀ، لأن حجیّۀ هذه الظهورات مستندة إلیها، وفی موارد الاحتفاف کما ذکرنا لا
تنعقد علی الظهور بل هم یتوقّفون فی مثل ما لو قال المولی: أکرم کلّ عالم ولا تکرم الفساق، حیث النسبۀ العموم من وجهٍ، فهم فی
العالم الفاسق- المجمع بین العام الوضعی والإطلاقی- یتوقّفون ویعاملون الکلام معاملۀ المجمل.
فالتحقیق أنه فی مورد احتفاف العموم بالمطلق، لابدّ من القول بالإجمال، خلافاً للشیخ وصاحب (الکفایۀ) والعراقی وغیرهم.
__________________________________________________
صفحۀ 209 من 265
(1)
. کفایۀ الاصول: 450
ص: 350
وعلی ما ذکر، فالتحقیق هو إعمال قواعد التعارض فی جمیع موارد التعارض بین العموم والمفهوم، إلّاإذا کان للمفهوم حکومۀ علی
فإنّه لیس العمل بخبر العادل من السفاهۀ والجهالۀ، فخبره خارج عن الحکم بالتبیّن تخصّصاً، ولذا ،«1» العموم کما فی مفهوم آیۀ النبأ
علی أنْ لا تعارض بین الحاکم والمحکوم … وإلّا إذا لزمت لغویّۀ العام لو تقدّم «2» نصّ صاحب (الکفایۀ) فی بحث التعارض
فی « الجاري » فإنه یلزم لغویۀ أخذ « الماء الجاري لا ینفعل بالملاقاة » علی عموم … « إذا بلغ الماء » المفهوم علیه، کما لو قدم مفهوم
العموم … ولذا یتقدّم العموم علی المفهوم فی مثله…
وأمّا مقتضی القاعدة بصورةٍ عامّۀ، فهو القول بالإجمال فی المتّصلین وإعمال قواعد التعارض فی المنفصلین، فبناءً علی القول
بالترجیح- لا التخییر- فالمرجّحات وإلّا فالتساقط والأصل العملی.
__________________________________________________
(1)
. سورة الحجرات: الآیۀ 6
. 2) کفایۀ الاصول: 437 )
ص: 351
تعقّب الإستثناء للجمل … ص: 351
اشارة
لو ورد مثلًا: أکرم العلماء وتواضع للسّادة وأطعم الفقراء إلّاالفساق منهم، فهل یرجع الإستثناء إلی خصوص الجملۀ الأخیرة فقط، أو إلی
جمیع الجمل المذکورة؟
. تحریر محلّ البحث …: ص: 351
إن أداة الإستثناء تارة اسمٌ واخري حرف، فإن کانت اسماً، فلا إشکال فی إمکان رجوع الأستثناء إلی الکلّ، لکون الموضوع له الاسم
عامّاً، کما یجوز أن یکون المراد طبیعۀ الإخراج. وإنْ کان حرفاً من حروف الإستثناء، بنی البحث علی المختار فی الموضوع له
الحرف، لأنه بناءً علی کون الموضوع له عامّاً یجوز رجوعه إلی الکلّ کما لو کان اسماً، أمّا بناءً علی کونه خاصّاً أو أن المستعمل فیه
خاص، فیقع الإشکال فی جواز رجوع الإستثناء إلی الکلّ، لأن الإخراجات المتعدّدة من الجمل المتعدّدة نسب متعدّدة، والحال أن
مدلول الحرف هو الجزئی الحقیقی من الإخراج، فلا یمکن رجوعه إلی کلّ الجمل.
وبعد ظهور محلّ الکلام، فلابدّ من البحث أولًا فی جهۀ الثبوت، فلولا تمامیّۀ الإمکان لم تصل النوبۀ إلی جهۀ الإثبات … فنقول:
. الکلام فی جهۀ الثبوت … ص: 351
قد یستظهر من بعض العامّۀ صحّۀ رجوع الإستثناء إلی الکلّ.
وقال صاحب (الکفایۀ) ما حاصله: أنّ الاستثناء مفهوم واحد یتحقّق فی
صفحۀ 210 من 265
ص: 352
.«1» سواء کان من الأخیرة أو من الکلّ علی وزانٍ واحد « إلّا » مورد الإخراج من المتعدّد والإخراج من الواحد، فالإخراج ب
من الجملۀ الأخیرة أو من الجمل کلّها، مصداقٌ لمفهوم الإخراج، « الفساق » بأن إخراج :«2» ( وأوضح المحقق الإیروانی فی (التعلیقۀ
ومع المصداقیۀ فی کلا الموردین بلا فرقٍ، لا یفرَّق بین وحدة المستثنی منه وتعدّده.
لکنّ الأُستاذ تنظّر فی هذا الکلام: بأنّه مع وحدة المصداق کیف یعقل وحدة الخروج وتعدّد الخارج والمخرج منه؟ إنّه بعد إخراج
الفسّ اق، فإنّ فسّاق العلماء غیر فسّاق السّادة وفسّاق الفقراء، کما أنّ العلماء غیر السّادة والفقراء، فالإخراج والخروج- وإنْ کانا واحداً،
لأنّ المصدر واسم المصدر واحدٌ حقیقۀً- ولکن الخارج فی المثال متعدّد وکذا المخرج منه، فالخروج أیضاً متعدّد لا محالۀ.
من أنّ هذا الإشکال إنما یتوجّه إذا کان المخرج- فی مورد الاستثناء من الجمل- بنحو العام الاستغراقی :«3» وما ذکره المحقق العراقی
مع تعدّد الإخراج، وأمّا إذا لوحظ بنحو العام المجموعی، کان المخرج منه واحداً والإخراج واحد، فالإشکال مندفع.
لا یجدي، لأنّه لا وجود خارجاً للمجموع، بل الموجود هو الأفراد وتعدّدها ذاتی، نعم، هو من اختراعات الذهن، لکنّ الإستثناء یکون
من الوجود الخارجی لا الاعتباري الذهنی.
من تجویز قیام النسبۀ الشخصیّۀ بالمتعدّد، «4» وکذا ما ذکره السید الحکیم
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 234 )
.301 / 2) نهایۀ النهایۀ 1 )
.541 (2 - 3) نهایۀ الأفکار ( 1 )
.532 / 4) حقائق الاصول 1 )
ص: 353
بأنْ تکون النسبۀ الشخصیّۀ منحلّۀ ضمناً إلی نسبٍ متعددة، کتعلّق الوجوب بال ّ ص لاة المرکّبۀ من أجزاء، فإنّه ینحلّ إلی وجوبات بعدد
الأجزاء.
فإنّه لا یمکن المساعدة علیه، لأن الذات التی هی عین التشخّص والجزئیۀ کیف تکون متعدّدة، والتعدّد یقابل التشخّص، فکیف
یجتمعان؟ وقیاس ما نحن فیه بتعلّق الوجوب بالمتعدّد مع الفارق.
لکنّ الحلّ هو بالقول بعموم الموضوع له الحرف، کما تقدّم فی محلّه.
. الکلام فی جهۀ الإثبات … ص: 353
اشارة
وقد اختلفت کلماتهم فی هذه الجهۀ:
تفصیل المحقق الخراسانی … ص: 353
ما ملخّصه: إن القدر المتیقن من المراد هو الاستثناء من الجملۀ الأخیرة، أمّا أن یکون الکلام ظاهراً فی «1» ( فقال صاحب (الکفایۀ
الاستثناء من الکلّ فلا، بل هو مجمل، ولابدّ من الرجوع إلی مقتضی الأصل العملی فی غیر الجملۀ الأخیرة. إلّاأن یقال بحجیّۀ أصالۀ
العموم تعبّداً، وعلیه، فإنْ کان عموم المستثنی منه بالوضع فهو علی قوّته، وإن کان بالإطلاق لمقدّمات الحکمۀ فالأصل یسقط، لأنّ
صفحۀ 211 من 265
کلّ واحدة من الجمل محفوف بما یحتمل القرینیّۀ وهو المستثنی.
ثم أمر بالتأمّل.
وقد ذکر وجهه فی الحاشیۀ: بأنّ المناط صلاحیّۀ أداة الاستثناء للقرینیّۀ، ومع إجمال الکلام لا تسقط أصالۀ الإطلاق بالنسبۀ إلی غیر
الجملۀ الأخیرة.
ثم قال فی الحاشیۀ: فافهم.
وکأنه یرید الإشارة إلی عدم انعقاد الإطلاق فی هذه الحالۀ من جهۀٍ اخري،
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 235 )
ص: 354
وهی وجود القدر المتیقَّن فی مقام التخاطب، فإنّ مبناه فی الإطلاق مانعیّۀ ذلک عن انعقاده.
وعلی الجملۀ، فإنّ صاحب (الکفایۀ) یفصّل فی المتن، بین ما إذا کانت أصالۀ الحقیقۀ من باب الظهور أو من باب التعبّد، فعلی الأول،
یکون الکلام مجملًا والمرجع هو الاصول العملیّۀ. أمّا علی الثانی، فالتفصیل بین ما إذا کان عموم المستثنی منه وضعیّاً أو إطلاقیاً، وقد
عرفت کلامه فی الحاشیۀ.
وقد أورد علیه الأُستاذ بما یرجع إلی الإشکال المبنائی، فإنّ عدم وجود القدر المتیقَّن فی مقام التخاطب لیس من مقدّمات الحکمۀ،
وأنّ کلّ ما یصلح للبیانیّۀ عرفاً یمنع من انعقاد الإطلاق حتی الکلام المجمل، فیکون الحاصل- بناءً علی حجیّۀ أصالۀ الإطلاق من باب
التعبد- أنّ عموم المستثنی منه إنْ کان وضعیّاً فهو علی قوّته، وإنْ کان إطلاقیّاً فإنْ احتفاف الکلام بالمجمل یمنع من انعقاد الإطلاق،
والمرجع هو الاصول العملیۀ فی هذه الصورة فی غیر الجملۀ الأخیرة.
تفصیل المحقق العراقی … ص: 354
تفصیلٌ علی أساس مختاره فی مسألۀ تعارض العموم والمفهوم، فهو- وإنْ وافق صاحب (الکفایۀ) فی ابتناء «1» وللمحقق العراقی
البحث علی کون حجیّۀ أصالۀ الحقیقۀ من باب التعبد أو الظهور- ذکر أنه تارةً: تکون الدلالۀ علی العموم وعلی الاستثناء وضعیّۀً،
واخري: هی فی کلیهما إطلاقیۀ، وثالثۀً: هی علی العموم بالوضع وعلی الاستثناء بالإطلاق، ورابعۀ: بالعکس.
فإنْ کانت الدلالۀ فی کلیهما بالوضع أو بالإطلاق أصبح الکلام مجملًا، لأنّ الظهورات تتصادم وتسقط، والمرجع الاصول العملیۀ فی
غیر الجملۀ الأخیرة
__________________________________________________
.543 (2 - 1) نهایۀ الأفکار ( 1 )
ص: 355
فإنّها القدر المتیقَّن.
وإنْ کانت الدلالۀ علی العموم بالوضع وعلی الاستثناء بالإطلاق، کانت أصالۀ العموم بیاناً بالنسبۀ إلی الاستثناء، ویسقط الإطلاق فی
الاستثناء وتتحکّم أصالۀ العموم فی کلّ الجمل عدا الأخیرة.
وإنْ کانت بالعکس، فإنّ الجهۀ الوضعیۀ فی الاستثناء لا تبقی مجالًا لانعقاد الشمولی الإطلاقی فی الجمل، فتسقط أصالۀ الإطلاق فی
الکلّ.
وقد أورد علیه الأُستاذ بما یرجع إلی الإشکال المبنائی کذلک، وحاصله: أنه کما أنّ العموم الوضعی یصلح لأنْ یکون بیاناً فیمنع من
صفحۀ 212 من 265
انعقاد الإطلاق فی الطرف المقابل، کذلک الإطلاق إذا حفّ بالعموم الوضعی، فإنه یمنع من انعقاد الظهور فیه.
ثم أضاف: بأنّ کلام المحقق العراقی هنا ینافی ما ذهب إلیه فی مبحث تعارض العموم والمفهوم علی أساس قاعدة أنّ التعلیقی لا
یعارض التنجیزي، والظهور الوضعی تنجیزي والإطلاقی تعلیقی، فسواء کان الوضعیٌّ هو المستثنی منه أو المستثنی، فإنّه مقدَّم علی
الإطلاقی، والقول بأنّ المستثنی الوضعی لا یکون بیاناً للمستثنی منه الإطلاقی، تخصیص للقاعدة العقلیۀ المذکورة. فالقول بتصادم
الظهورات فیما لو کان کلاهما إطلاقیاً باطل، لأنه لا مقتضی للظهور فی هذه الصورة حتی یقع التصادم.
تفصیل المیرزا … ص: 355
بما حاصله، إنّ الجملۀ تتعدّد بتعدّد النسبۀ، وهی تتعدّد بتعدّد الموضوع أو المحمول أو کلیهما. وکذلک «1» وف ّ ص ل المیرزا النائینی
الحال فی الجمل المتعقّبۀ
__________________________________________________
.377 -375 / 1) أجود التقریرات 2 )
ص: 356
بالاستثناء، فقد یقال: أکرم العلماء واحترمهم وأحسن إلیهم إلّاالفسّاق، فالموضوع واحد والمحمول متعدّد، وقد یقال: أکرم العلماء
والشیوخ والسادات إلّا الفسّاق منهم، فالموضوع متعدّد، وقد یقال: أکرم العلماء وأحسن إلی السادات وأطعم الفقراء إلّاالفساق منهم،
فکلاهما متعدّد.
ثم إنّ التعدّد بتعدّد الموضوع علی نحوین، فقد یذکر الموضوع فی صدر الکلام ویکون التعدّد بالضمیر العائد إلیه، کأن یقال: أکرم
العلماء وأضفهم واحترمهم إلّاالفساق منهم، وقد یتکرر الموضوع نفسه مثل: أکرم العلماء وأضف العلماء واحترم العلماء إلّاالفساق
منهم. فإنْ کان من قبیل الأول، فالاستثناء یتعلَّق بالکلّ، لأنّ الموضوع هو المستثنی منه، وقد جاء الاستثناء لیخ ّ ص صه والضمیر لیس له
مرجع سواه، فینعقد ظهور الکلام فی الکلّ. وإن کان من قبیل الثانی، فإنّ الاستثناء من الجملۀ الأخیرة فقط.
أمّا إنْ کان الموضوع واحداً والحکم متعدّد، فالإستثناء یرجع إلی الکلّ کالصّورة الاولی من الصورتین المذکورتین.
وأمّا إنْ تعدّد الموضوع والمحمول کلاهما، فالإستثناء یرجع إلی الجملۀ الأخیرة فقط، لأنه مقتضی تعدّدهما.
نظر الُأستاذ … ص: 356
قال الأُستاذ: لا شک أن الملاك فی ظهور الکلام هو قالبیّته العرفیۀ للمعنی، بأنْ یکون عندما یلقی إلی العرف کاشفاً عن معناه عندهم
بلا تردّد لدیهم، وعلیه، فهل یکون تکرّر الموضوع موجباً للظهور عندهم؟ هذا أوّل الکلام، وعلی مدّعی انعقاد الظهور إقامۀ البرهان.
نعم، الجملۀ الأخیرة هی القدر المتیقن فی جمیع الموارد، وهذا لا کلام فیه.
ص: 357
نعم فی صورة تعدّدهما یستقر الظهور العرفی فی الرجوع إلی الجملۀ الأخیرة فقط کما ذکر. وأمّا فی الصورة السابقۀ فمقتضی القاعدة
هو الرجوع إلی الاصول العملیۀ لتردّد أهل العرف وتحیّرهم.
ص: 358
تخصیص الکتاب بخبر الواحد … ص: 358
اشارة
صفحۀ 213 من 265
فاقیم الدلیل علی الجواز فی ،«1» لا خلاف بین الأصحاب فی تخصیص خبر الواحد لعموم الکتاب، وقد نقل الخلاف عن بعض العامّۀ
کتب الخاصّۀ.
کلام الکفایۀ … ص: 358
بأنّ الحق هو الجواز، ثم استدلّ بسیرة الأصحاب إلی زمن الأئمۀ الأطیاب علیهم السلام، وأبطل :«2» فقد ذکر المحقق الخراسانی
احتمال کون کلّ تلک الأخبار محفوفۀ بالقرینۀ. ثم ذکر أنه لولاه لزم إلغاء خبر الواحد بالمرّة أو ما بحکمه، ضرورة ندرة خبر لم یکن
علی خلافه عموم الکتاب لو سلّم وجود ما لم یکن کذلک.
. نقد ما استدل به للعدم … ص: 358
ثم تعرّض لما یستدلّ به للقول بعدم الجواز، وهی وجوه أربعۀ:
الأول: إنه إذا جاز تخصیص الکتاب بخبر الواحد، جاز نسخه به کذلک.
والتالی باطلٌ بالإجماع فالمقدَّم مثله. ووجه الملازمۀ: هو أن النسخ أیضاً تخصیصٌ لکنّه یرجع إلی الأزمان والتخصیص یرجع إلی
الأفراد.
والجواب: بالفرق من جهۀ الإجماع، فإنّه قائم فی النسخ علی العدم، أمّا فی التخصیص فهو قائم علی الجواز بین القائلین بحجیۀ خبر
الواحد.
__________________________________________________
.114 / 1) انظر: المستصفی فی علم الاصول للغزالی 2 )
. 2) کفایۀ الاصول: 235 )
ص: 359
الثانی: إن الدلیل علی حجیّۀ خبر الواحد هو الإجماع، وهو دلیل لبّی یؤخذ بالقدر المتیقن منه، وهو غیر المخالف لعموم الکتابی، ولو
بالعموم والخصوص المطلق.
والجواب: لا إجماع علی حجیّۀ خبر الواحد.
وعلی فرضه، فالدلیل علی حجیّته غیر منحصر به.
وإن الأخذ بالقدر المتیقن، إنما یکون من الإجماع التعبدي، والإجماع علی حجیّۀ خبر الواحد إنْ کان، فهو مستند إلی الأخبار والسّیرة.
ثم إنّ الإجماع قائم علی تخصیص الکتاب بخبر الواحد، فأین القدر المتیقن من الإجماع علی حجیّۀ خبر الواحد؟
.«3» أو أنه مما لم یقل به الأئمۀ علیهم السلام ،«2» أو أنه زخرف ،«1» الثالث: الأخبار الکثیرة الآمرة بطرح کلّ خبر خالف الکتاب
والجواب: إنّ المخالفۀ بالعموم والخصوص المطلق لیست مخالفۀً عرفاً، بل الخاص عند أهل العرف قرینۀ علی العام، ولیس بین القرینۀ
.«4» وذیها مخالفۀ، فالأخبار المذکورة مختصۀ بالمخالفۀ علی وجه التباین. قاله صاحب (الکفایۀ) وغیره
إلّا أن الأُستاذ تنظّر فی هذا الجواب- فی الدورة اللّاحقۀ- بما حاصله: أن المخالفۀ بالعموم والخصوص المطلق هو بالسلب والإیجاب،
فإمّا یکون الکتاب دالّاً علی العموم موجبۀ کلیّۀ فیأتی الخبر علی خلافه بصورة السالبۀ الجزئیۀ، وإمّا
__________________________________________________
. 110 ، الباب 9 من کتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، رقم 10 / 1) وسائل الشیعۀ 27 )
. 111 ، الباب 9 من کتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، رقم 14 / 2) وسائل الشیعۀ 27 )
صفحۀ 214 من 265
. 111 ، الباب 9 أبواب صفات القاضی، رقم 15 / 3) وسائل الشیعۀ 27 )
. 4) کفایۀ الاصول: 237 )
ص: 360
یکون بالعکس، ومن الواضح أن السّلب والإیجاب متناقضان بحکم العقل والمتناقضان لا یجتمعان، فکیف یکون الجمع بین العام
والخاصّ عرفیّاً؟ وکیف یدّعی عدم المخالفۀ عرفاً بین العام والخاص المطلق؟
هذا أوّلًا.
ما » وثانیاً: إنه قد أطلق عنوان المخالفۀ علی موارد العموم والخصوص المطلق فی أخبار باب التعارض، کصحیحۀ القطب الراوندي
إذ لیس المراد من المخالفۀ هذه التباین، وإلّا لم تصل النوبۀ ،«2» وکمقبولۀ عمر بن حنظلۀ «1» « وافق الکتاب فخذوه وما خالف فدعوه
إلی التعارض والترجیح … وحمل هذا الإستعمال علی المجاز غیر صحیح لعدم العنایۀ.
للخاصّ المطلق بالنسبۀ إلی العام الکتابی، لکنّ علمنا بصدور الأخبار المخالفۀ بالعموم « المخالف » فالأولی: أن یقال بشمول
علی المخالفۀ بالتباین. « ما خالف کتاب اللَّه فهو زخرف » والخصوص المطلق عنهم علیهم السلام یوجب حمل کلمۀ المخالف فی مثل
وأیضاً، فإنّ الأخبار الواردة فی باب التعادل والتراجیح دلیل علی أن المخالف للکتاب حجۀ، غیر أنّ الموافق له لدي التعارض بینهما
هو المقدَّم، فالمخالفۀ هذه بالعموم والخصوص المطلق لا التباین، لأن المباین لیس بحجۀ مطلقاً.
الرابع: إنّ العام الکتابیّ قطعیّ الصدور وخبر الواحد ظنّی، وتخصیص الکتاب به رفع الید عن العلم بالظن وهو غیر جائز.
والجواب: إنّه من حیث السند، لا کلام فی قطعیّۀ الکتاب وظنیّۀ خبر
__________________________________________________
. 464 ، الباب 20 من أبواب یحرم بالمصاهرة ونحوها، رقم 3 و 4 / 1) وسائل الشیعۀ 20 )
. 136 ، الباب 11 من أبواب صفات القاضی، رقم 1 / 2) وسائل الشیعۀ 27 )
ص: 361
الواحد، لکنّ الکلام لیس فی جهۀ السند، بل فی الدلالۀ، ولیست دلالۀ الآیۀ العامّۀ فی معناها بقطعیۀ، فإن أصالۀ الظهور فی العام ظنیّۀ
کما هی فی طرف الخبر، فلا یقع التعارض بین القطعی والظنّی … وحینئذ نقول: بأنّ انعقاد الظهور فی طرف العام الکتابی معلّق علی
عدم وجود القرینۀ علی الخلاف، وقد تقدَّم أن الخبر قرینۀ، فلا ینعقد الظهور فی العام بل یتقدّم الخبر علیه.
وعلی الجملۀ، فإنه لا تنافی بین المدلولین، ودلیل حجیّۀ الخبر یتقدَّم بالحکومۀ علی أصالۀ العموم فی طرف الکتاب، لکونه أصلًا معلّقاً
علی عدم وجوب الخاصّ وجداناً أو تعبّداً، ولو قیل بالتعارض بین عموم الکتاب وما ورد فی الکتب المعتبرة من المخ ّ ص صات، لزم
.«1» سقوط عمدة الأخبار کما قال المیرزا
وأمّا ما أفاده تلمیذه المحقق فی الهامش من أن العمومات الکتابیّۀ فی مقام التشریع لا البیان، فلا یقع التعارض بینها وبین الأخبار.
ففیه: إن عدّةً منها فی مقام البیان یقیناً، ویشهد بذلک استدلال الأئمۀ علیهم السّلام بظواهرها فی کثیر من الموارد، کاستدلاله علیه
«2» « فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ » السلام بظاهر قوله تعالی
.«3» کما فی معتبرة عبید بن زرارة
«4» « أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیْعَ » وأیضاً، فلولا کون
لغواً، وکذلک یلزم لغویّۀ البحث عن «5» « نهی النبی عن بیع الغرر » فی مقام البیان، لکان البحث عن تخصیصه بمثل
__________________________________________________
.391 -390 / 1) أجود التقریرات 2 )
صفحۀ 215 من 265
. 2) سورة البقرة: الآیۀ 185 )
. 176 ، الباب 1 من أبواب وجوب الإفطار فی السفر فی شهر رمضان، رقم: 8 / 3) وسائل الشیعۀ 10 )
. 4) سورة البقرة: الآیۀ 275 )
. 448 ، الباب 40 من أبواب آداب التجارة، رقم 3 / 5) وسائل الشیعۀ 17 )
ص: 362
«1» « حَرَّمَ الرِّبا » تخصیص
«3» « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » حلیّته، وکذا الکلام فی «2» بما ورد فی الأخبار من
«4» « إِلّا أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ » و
ونحو ذلک.
علی أنّ المحقق المذکور، قد تمسّک فی غیر موضع من بحوثه الفقهیۀ بظواهر تلک العمومات والإطلاقات، کما فی مسائل الحج
والجهاد والخمس وغیرها.
__________________________________________________
(1)
. سورة البقرة: الآیۀ 275
. 135 ، الباب 7 من أبواب الربا، رقم 1 و 2 / 2) وسائل الشیعۀ 18 )
. 3) سورة المائدة: الآیۀ 1 )
. 4) سورة النساء: الآیۀ 29 )
ص: 363
دوران الأمر بین التخصیص والنسخ … ص: 363
اشارة
لو ورد دلیل عام، ثم جاء دلیل آخر، ووقع الشک والتردّد فی أنه مخ ّ صص للعام أو ناسخ لحکمه، فما هو مقتضی القاعدة؟ وما هو
مقتضی الأصل العملی؟
. مورد البحث المخصص المنفصل … ص: 363
وفائدة هذا البحث وأثره العملی معلوم، لوضوح الفرق بین النسخ والتخصیص.
ثم إنّ من الأخبار عن الصادق علیه السلام- مثلًا- ما هو عام ونجد فیها عن الإمام من بعده نصّاً فی نفس الموضوع یخالفه فی الحکم،
فإنْ کان مخ ّ ص صاً له لزم القول بجواز تأخیر البیان عن وقت الحاجۀ، وإنْ جعلناه ناسخاً، لزم القول بجواز النسخ بعد النبی صلی اللَّه
علیه وآله.
وبما ذکرنا ظهر: أنّ مورد البحث هو ما إذا کان الدلیل الثانی منفصلًا، لأنّه إن کان متّصلًا بالعام منع من انعقاد الظهور إلّافی المتأخر
فهو مخصص له، ولا حکم آخر حتی یکون ناسخاً له.
ویقع البحث فی مقامین:
صفحۀ 216 من 265
. المقام الأول (فی مقتضی الأدلّۀ …) ص: 363
اشارة
وللمنفصل صور:
الصورة الاولی ما إذا کان العام سابقاً، وقد جاء الدلیل الآخر قبل وقت
ص: 364
العمل بالعام، فهنا قولان:
أحدهما: بطلان النسخ، لأنّ النسخ قبل حضور وقت العمل بالعام وفعلیّۀ الحکم، یستلزم لغویّۀ جعل الحکم المنسوخ، فالنسخ قبل
حضور وقت العمل باطل.
والثانی: الجواز، وبه قال المحققان النائینی والعراقی.
فف ّ ص ل بین القضیّۀ الحقیقیۀ والخارجیّۀ، فأجازه فی الحقیقیّۀ ببیان أن قوام الحکم فیها هو بفرض وجود الموضوع ،«1» أمّا المیرزا
والشرط لا بخارجیّته، والفرض کاف لتحقق الحکم، فهو موجود ویقبل النسخ.
وأمّا العراقی، فأفاد بأنّه إن کان حقیقۀ الحکم فی القضایا الشرعیّۀ، هو الملازمۀ بین الموضوع والحکم- کما علیه المشهور- فالمجعول
«2» « وَلِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبیلًا » فی
هو الملازمۀ بین الحج والإستطاعۀ- فإنّ رفع الملازمۀ قبل تحقّق ما یتوقّف علیه الحکم جائز، بناءً علی رجوع الواجب المشروط إلی
الواجب المعلَّق، بأنْ یکون الوجوب فعلیّاً وظرف الإمتثال بعدُ، فیجوز النسخ لارتفاع الحکم بعد وجوده.
وإنْ کان حقیقۀ الحکم، هو الإرادة المبرزة- کما هو المختار عند المحقق العراقی- وأنّ الإرادة عندما تبرَز ینتزع منها الحکم
أيالوجوب- کما أنّ الکراهۀ المبرزة ینتزع منها الحرمۀ- فالمفروض وجودها حتی مع عدم وجود الشرط لها المنوطۀ به.
فسواء قلنا بمسلک المشهور فی حقیقۀ الحکم أو بمسلک المحقق العراقی،
__________________________________________________
.395 -394 / 1) أجود التقریرات 2 )
. 2) سورة آل عمران: الآیۀ 97 )
ص: 365
فإنّه من الجائز رفع حکم العام قبل وقت العمل به … فالنسخ جائز، لأنه بناءً علی مسلک المشهور الملازمۀ موجودة وإنْ لم یتحقق
«1» « لَوْ کانَ فیهِما آلِهَۀٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا » طرفاها کما فی
، وبناءً علی مسلکه، فالإرادة أو الکراهۀ موجودة کما هو الفرض.
فتلخّص: جواز النسخ عند المیرزا والعراقی فی الصّورة المذکورة.
بلزوم اللغویّۀ فی جعل العام، لأنّ الحکم إنْ کان الإرادة، فإنّها قبل وجود الموضوع وشرطه موجودة «2» وعلی هذا، فلا یرد الإشکال
قهراً، فلا یتوجّه الإشکال بأن رفع الحکم لغو، نعم، یمکن الإشکال فی کون حقیقۀ الحکم هو الإرادة، لکنه مبنائی.
لکنّ التحقیق هو عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل، سواء فی القضیۀ الحقیقیّۀ أو الخارجیّۀ، لأنّ الإنشاء فعل اختیاري للمولی،
هو لا یکون بلا داعی، فإنْ أنشأ الحکم بداعی البعث، فإن إنشائه فی ظرف عدم إمکان الإنبعاث من الباعث الملتفت محال عقلًا،
والمفروض هنا کذلک، لفرض عدم تحقق الموضوع والشرط له … فما ذکره المحقّقان مردود بهذا الوجه لا بإشکال لزوم اللغویّۀ…
فالنسخ باطل ویتعیَّن التخصیص.
صفحۀ 217 من 265
الصّورة الثانیۀ ما إذا کان العام سابقاً ثم جاء الدلیل الآخر بعد حضور وقت العمل.
وقد فصّل المحقق الخراسانی- تبعاً للشیخ- بین ما کان صادراً لبیان الحکم الواقعی، فالمتأخر ناسخ لا مخ ّ صص، لأنه یلزم تأخیر البیان
عن وقت الحاجۀ.
__________________________________________________
(1)
. سورة الأنبیاء: الآیۀ 22
395 . الهامش. / 2) أجود التقریرات 2 )
ص: 366
وما کان صادراً لا من أجل بیان ذلک بل هو حکم ظاهري یکون مرجعاً عند الشک، فالمتأخّر مخصّص له، لعدم لزوم تأخیر البیان عن
وقت الحاجۀ.
فهذا تفصیل الشیخ و (الکفایۀ)، وعلیه العراقی والحائري والبروجردي.
إلّا أنّ الکلام فی قبح تأخیر البیان عن وقت الحاجۀ، وأنّه بنحو الإقتضاء أو العلّۀ التامّۀ … والظاهر أنه بنحو الإقتضاء، فقد یتأخّر البیان
عن وقت الحاجۀ لمصلحۀ فینتفی القبح حینئذٍ … کما هو الحال فی الکذب، فإنّ قبحه إقتضائی ولیس علّۀً تامّۀ له، بل قد یکون حسناً.
وإذا کان قبح التأخیر اقتضائیاً ارتفع المانع عن أن یکون الدلیل المتأخّر مخ ّ ص صاً للعام فیما إذا کان لبیان الحکم الواقعی … فی کلّ
موردٍ احتمل کون التأخّر لمصلحۀٍ … لکن هذا بوحده لا یکفی لتعیّن التخصیص.
ولذا قالوا بتعیّن التخصیص من جهۀ أن نسبۀ الخاص إلی العام نسبۀ القرینۀ إلی ذیها، فالمتقضی لأنْ یکون الدلیل الآتی بعد العام
مخ ّ ص صاً له موجود، وقد عرفت انتفاء المانع- وهو لزوم تأخیر البیان عن وقت الحاجۀ- باحتمال وجود مصلحۀٍ للتأخیر من تقیّۀ ونحوها

إلّا أن الأُستاذ تنظّر- فی الدورة اللّاحقۀ- فی قرینیّۀ الخاصّ للعامّ إن لم یکن متّصلًا، لأن العرف لا یري المنفصل قرینۀً، بل یجعله
ناسخاً، ولا أقل من التوقّف، فهذا الوجه لا یجدي لتعیّن التخصیص.
وکذا ما ذهب إلیه المیرزا من أنّ أصالۀ العموم فی العام لا تتمّ إلّابتوفّر مقدّمات الحکمۀ فی المتعلّق، ووجود الدلیل بعده مانع من
تمامیّتها لاحتمال القرینیّۀ، فالنسخ متوقف علی تمامیۀ أصالۀ العموم فی العام، وهذا أوّل الکلام، فیتعین التخصیص.
ص: 367
لأنّ توقّف أصالۀ العموم- کأصالۀ الإطلاق- علی مقدّمات الحکمۀ، غیر تام، بل إنّ ألفاظ العموم بذاتها تدلّ علی الشمول
والاستیعاب.
فالوجه الصحیح لتعیّن التخصیص هو ما ذهب إلیه المحقق الإصفهانی من أنّ کلام الأئمّۀ علیهم السلام واحد، فکأن ما صدر من الإمام
الباقر وما صدر من الإمام الرضا- علیهما السلام- صادران فی مجلسٍ واحد … فإذا کان الأئمۀ بحکم الواحد وکلامهم بحکم الکلام
.«1» الواحد، جري فی کلماتهم حکم المخصّص المتّصل … ویشهد بذلک ما ورد عنهم من جواز نسبۀ ما سمع من أحدهم إلی غیره
الصورة الثالثۀ أنْ یرد الدلیل الخاص ثم یرد العام قبل حضور وقت العمل بالخاص. وفی هذه الصورة قالوا بتعیّن تخصیص الخاصّ
للعام بلا إشکال، إمّا للزوم اللغویّۀ وإمّا لاستحالۀ البعث مع عدم إمکان الإنبعاث.
الصورة الرابعۀ أن یرد الخاص ثم العام بعد حضور وقت العمل بالخاص، فهل یتخ ّ صص العام بالدلیل المتقدم علیه أو یکون ناسخاً
لذاك الدلیل؟ والثمرة واضحۀ، لأنّه بناءً علی الأوّل لابدّ من العمل علی طبق الخاص، وبناءً علی الثانی یکون العمل علی طبقه ثم علی
العام من حین وروده.
صفحۀ 218 من 265
ذهب فی (الکفایۀ) إلی تقدَّم التخصیص لکثرته فی الشریعۀ حتی اشتهر أنه ما من عامٍّ إلّاوقد خص، ولندرة النسخ قبل انقطاع الوحی
وأمّا بعده فلا نسخ.
وأمّا ما ورد فی الصحیح من أن الحدیث ینسخ کما ینسخ القرآن، ولذا یؤخذ بالخبر الوارد عن الإمام المتأخر، وعلیه مشی مثل الشیخ
الصّدوق فی الخبرین المتنافیین، مرجّحاً المتأخّر علی المتقدم زماناً، فقد أوضح الأُستاذ: بأنّ
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 237 )
ص: 368
فیه یختلف عن النسخ الإصطلاحی، ولذا لم یجعل التأخّر من المرجّحات فی باب التعادل والتراجیح. والتفصیل موکول « النسخ » معنی
إلی هناك.
وعلی کلّ حالٍ، فإنّ دعوي (الکفایۀ) مستندة إلی ندرة النسخ فی زمان الوحی وأنه بعد انقطاعه لا نسخ.
:«1» وقد أورد علیه المیرزا بوجهین
الأول: إنه لما وقع الشک فی أنّ حرمۀ إکرام الفاسق باقیۀ إلی زمان ما بعد العامّ المتأخر عنه، أو أن الحکم المذکور ینقطع بمجیء
العام، فإنّ مقتضی الإستصحاب بقاء حکم الخاص، وإنّما یحتاج إلی التمسّک بالإستصحاب لإبقاءه، لأنَّ استمرار الحکم فی الزمان
وإنْ کان من الامور المتفرّعۀ علی الحکم، ولکنّ ذلک موقوف علی وجوده، والمفروض دوران الأمر بین وجوده مخ ّ ص صاً للعام أو
زواله بنسخ العام له، فکان الموجب للبقاء هو الأصل العملی، أي الإستصحاب. لکنّ هذا الإستصحاب محکوم بالدلیل وهو أصالۀ
العموم؛ فما ذهب إلیه صاحب (الکفایۀ) من التخصیص مردود.
إشکال الُأستاذ … ص: 368
وقد أشکل علیه الأُستاذ بوجهین: الأول: إنّ بقاء واستمرار الحکم لیس من متفرّعات الحکم بل من خصوصیّات وجوده، فالحکم إمّا
موجودٌ وإمّا زائل، لا أنّه موجود فهو مستمرٌ وباق. والثانی: إنّه لو لم یکن دلیل الحکم متکفّلًا البقاء والاستمرار له للزم الإهمال المحال
…لأنّ الحاکم عندما یجعل الحکم، فإمّا یجعله علی وجه البقاء والاستمرار وإمّا یجعله لا علی هذا الوجه، وأمّا أنْ لا یدري أن حکمه
علی أيّ وجهٍ فهذا محال … هذا، ومقتضی الإطلاق فی الجعل أنْ یکون
__________________________________________________
.399 / 1) أجود التقریرات 2 )
ص: 369
علی وجه الإستمرار والبقاء إلی أن یقوم الدلیل علی الإنتفاء والزوال … وإذا کان کذلک، فالإطلاق هو المقتضی للبقاء، وهو أصلٌ
لفظی- ولا تصل النوبۀ إلی التمسّک بالإستصحاب- لکن الأصل اللّفظی فی البقاء مقدّم علی أصالۀ العموم، لندرة النسخ وشیوع
التخصیص، فیتقدم الأصل اللّفظی الإطلاقی علی الأصل اللّفظی الوضعی. وهذا ما أشار إلیه المحقق الخراسانی فی کلامه.
الثانی: إن الشک فی بقاء حکم الخاص المتقدّم، مسبّب عن الشکّ فی عموم العام المتأخّر، وبجریان أصالۀ العموم فی العام یرتفع
الشک فی بقاء حکم الخاص ولا یحکم باستمراره، بل هو منقطع بالعام.
إشکال الُأستاذ … ص: 369
إنه کما یکون ملاك السببیّۀ والمسببیّۀ فی الامور التکوینیۀ هو العلیّۀ والمعلولیّۀ، فإنّه فی الامور التشریعیۀ هو الموضوعیۀ والحکمیّۀ،
صفحۀ 219 من 265
بأنْ یکون الأصل فی الموضوع سببیّاً وفی الحکم مسببّیاً، ولیس بین العام والخاص هذه النسبۀ، بل هما دلیلان مستقلّان، یقول أحدهما
بوجوب إکرام کلّ عالم، والآخر یقول بحرمۀ إکرام الفسّاق من العلماء، فذاك عام وهذا مطلق مقیَّد بزمانٍ من الأزمنۀ، ولابدَّ من رفع
الید عن أحدهما لعدم إمکان الجمع بینهما … فلا سببیّۀ ومسببیّۀ أصلًا … بل مقتضی القاعدة- کما فی (الکفایۀ)- تقدیم دلیل
الخاص، والنتیجۀ هی التخصیص لما ذکره.
أللهم إلّاأنْ یشکل علیه: بأنّ ندرة النسخ غیر کافیۀ للترجیح، لأنّ غایۀ الأمر- بناءً علی أنّ الشیء یلحق بالأعم الأغلب- هو الظن بتعیّن
التخصیص، ولا دلیل علی اعتبار هذا الظن.
کما أنّ جعل ندرة النسخ وشیوع التخصیص قرینۀً عرفیّۀ لتقدّم التخصیص
ص: 370
- کما أفاد فی (الکفایۀ)- غیر تام، لعدم عرفیّۀ هذه القرینیّۀ.
ویبقی الوجه الذي اعتمده المحقّق الإصفهانی لتقدیم الخاص، وقد أوردناه سابقاً، وأمّا النسخ فلا یثبت إلّابالخبر المتواتر، وکلامنا فی
خبر الواحد، فیتعیّن التخصیص.
بل بناءً علی عدم ثبوت النسخ بخبر الواحد، ینتفی موضوع البحث رأساً، لأنه حینئذٍ لا یقع الدوران بین النسخ والتخصیص حتی نبحث
عن وجه التقدیم.
التفریق بین نظر العرف ونظر الشرع، بأنّ أهل العرف یرون العام المتأخّر ناسخاً، أمّا فی الشّرع، فإنّ الخاص :«1» ( وفی (المحاضرات
یتقدَّم ویکون بیاناً للحکم من الأوّل.
وأورد علیه الأُستاذ: بأنّ کون العام ناسخاً یتوقّف علی عدم القرینیّۀ العرفیّۀ للخاص بالنسبۀ إلی العام، والسیّد الخوئی من القائلین
بالقرینیّۀ کما فی کتاب (المحاضرات) نفسه.
وهذا تمام الکلام فی المقام الأول.
. المقام الثانی (فی مقتضی الأصل العملی …) ص: 370
اشارة
فلو وصل الأمر إلی الأصل العملی فما هو مقتضاه؟
أمّا إذا کان الخاص مقدّماً ووصل الحال إلی الشک لعدم المرجّح، فالأصل هو الإستصحاب، لأنّا مع مجیء العام نشکّ فی بقاء حکم
الخاص، فنستصحب بقائه ویتقدّم علی العام، والنتیجۀ التخصیص … ولا یخفی أنه مبنی علی جریان الإستصحاب فی الأحکام الکلیّۀ
الالهیّۀ کما هو المختار.
وأمّا إذا تقدَّم العام، فتارةً: یکون حکم الخاص مناقضاً لحکم العام، کما لو
__________________________________________________
.490 / 1) محاضرات فی اصول الفقه 4 )
ص: 371
قال یجب إکرام کلّ عالم، ثم قال: لا یجب إکرام العالم الفاسق. وأخري: یکون ضدّاً له، کأن یقول: یجب إکرام کلّ عالم، ثم یقول:
یحرم إکرام العالم الفاسق.
فإنْ کان نقیضاً له، حکم بالتخصیص بمقتضی استصحاب عدم وجوب إکرام العلماء الفسّاق أزلًا، لعدم وجوب إکرامهم قبل ورود
صفحۀ 220 من 265
العام، فلمّا ورد وجب إکرامهم إلی حین ورود الخاص، فإذا ورد الخاص بعده ودار الأمر بین النسخ والتخصیص، وشککنا فی تبدّل
حکم إکرام العلماء الفسّاق من عدم الوجوب إلی الوجوب، نستصحب عدم الوجوب الثابت أزلًا، وتکون النتیجۀ التخصیص.
وإنْ کان ضدّاً له، فإنْ کان التضادّ بالوجوب والحرمۀ، بأنْ یفید العام وجوب إکرام العلماء، والخاص حرمۀ إکرام الفسّاق منهم، فلا
مجري لاستصحاب إکرام الفسّاق، لعدم الشک فی عدم جواز إکرامهم، سواء کان الخاص المتأخّر ناسخاً أو مخصّصاً، کما لا یخفی.
نعم، إن کان مخصّصاً فالحرمۀ من أوّل الأمر وإنْ کان ناسخاً فمن حین وروده.
وإنْ کان التضادّ لا بالوجوب والحرمۀ، کأنْ یفید العام الوجوب أو الحرمۀ، ویفید الخاص الکراهۀ أو الإستحباب، فذهب المحقق
العراقی إلی إمکان جریان الإستصحاب (قال): لو کان مفاد العام هو وجوب الإکرام أو حرمته، وکان مفاد الخاص المتأخر استحباب
الإکرام أو کراهته، أمکن دعوي جریان حکم التخصیص بمقتضی استصحاب عدم المنع السابق، حیث أنه بالأصل المزبور مع ضمیمۀ
.«1» رجحانه الفعلی أو المرجوحیۀ الفعلیۀ، أمکن إثبات الکراهۀ أو الإستحباب. فتأمّل
وعلی الجملۀ، فإنّ العام إن کان ظاهراً فی الوجوب، فبعد ورود الخاص
__________________________________________________
.553 (2 - 1) نهایۀ الافکار ( 1 )
ص: 372
بعده، نشکُّ فی بقاء الوجوب- لأن الخاص إن کان ناسخاً فالعام دالّ علی الوجوب وإن کان مخ ّ ص صاً فلا، بل الاستحباب- فیمکن
استصحاب عدم الوجوب. وکذا الکلام فیما لو کان العام ظاهراً فی الحرمۀ وکان مفاد الخاص هو الکراهۀ.
وفیه:
لکن الإشکال هو: إنّه بعد ورود الخاصّ لا شک فی الإستحباب، سواء کان ناسخاً أو کان مخصصّاً، نعم، إن کان ناسخاً فمن الآن وإنْ
کان مخصّصاً فمن الأوّل، ومع عدم الشکّ کیف یستصحب عدم الوجوب؟ ولعلّ هذا وجه الأمر بالتأمّل.
وقد یقصد هذا المحقّق بیان الحکم فی الزمان الفاصل بین العام والدلیل المتأخر، بأنه إنْ کان مخ ّ ص صاً کان إکرام الفاسق من العلماء
فی الزمان الفاصل مستحبّاً، وإن کان ناسخاً لحکم العام، دلّ العام علی وجوب الإکرام فی الزمان المزبور، فالرجحان علی کلّ حالٍ
ثابت.
. بقی الکلام فیما لو جهل التاریخ … ص: 372
وإنما نحتاج إلی معرفۀ تاریخ ورود العام والخاص، وأنه قبل حضور وقت العمل أو بعده، من جهۀ قبح تأخیر البیان عن وقت الحاجۀ،
وأمّا بناءً علی عدم قبحه إن کان لمصلحۀٍ، فلا حاجۀ. کما تقدّم.
قال فی الکفایۀ: وأمّا لو جهل وتردد بین أنْ یکون الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام وقبل حضوره، فالوجه هو الرجوع إلی
.«1» الاصول العملیۀ
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 238 )
ص: 373
بأنّ فی فرض ورود الخاص متأخّراً، لا یبقی شکٌ- سواء کان ناسخاً أو مخصّصاً- حتی یرجع إلی الأصل العملی، :«1» وقد اشکل علیه
وأمّا فی الفاصل الزمانی- إن کان للأصل أثر- فالمرجع هو أصالۀ العموم، للشک فی التخصیص.
فأین مورد الأصل العملی؟
صفحۀ 221 من 265
وأجاب الأُستاذ:
بأنّ مجري الأصل هو الفاصل بین العام والدلیل المتأخّر، لکنْ لیس المرجع هو العام، لأنّ أصالۀ العموم فی الحقیقۀ هی أصالۀ عدم
التخصیص، فالمرجع هو الأصل العملی…
وقیاسه ما نحن فیه علی مورد المجمل المردد بین الأقل والأکثر مفهوماً، وأنه یؤخذ بالقدر المتیقَّن من الخاص ویتمسّک بعموم العام
فی الزائد علیه.
فی غیر محلّه، لدوران الأمر هناك بین الأقل والأکثر، أما هنا فالأمر دائر بین المتباینین، لأنا نعلم إجمالًا بأحد الأمرین إمّا النسخ وإمّا
التخصیص، فلو ارید التمسّک بأصالۀ العموم لحلّ العلم الإجمالی هذا، کان معناه انحلال العلم الإجمالی بأصالۀ عدم التخصیص، لکن
أصالۀ عدم النسخ تعارض أصالۀ عدم التخصیص.
وهذا تمام الکلام فی الخاص والعام.
__________________________________________________
(1)
.305 / نهایۀ النهایۀ 1
ص: 375
المقصد الخامس